اسم الکتاب : المقدمات الممهدات المؤلف : ابن رشد الجد الجزء : 1 صفحة : 245
فصل
وإنما افتقر الترك المختص بزمن معلوم إلى النية، بخلاف الترك الذي لا يختص بزمن معلوم؛ لأن الترك على كل حال عمل من أعمال القلوب، بدليل تناول الأمر له. ألا ترى أنك تقول اترك كذا كما تقول اعمل كذا. فإذا اختص بزمن معلوم تعين أوله وآخره وجبت النية عند أوله كسائر العبادات؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له». لأن معنى النية إخلاص العمل لله، إذ قد يصح أن يفعل لغير الله. ألا ترى أنه قد يصح أن ينوي الصيام لمنفعة نفسه تطببا فلا يثاب عليه، إذ لم يصم لله وإنما صام لنفسه، فكان صائما لعلة لا شرعا. وإذا لم يختص الترك بزمن معلوم لم يتعين أوله من آخره فسقطت النية فيه، إذ لم يتعين لها وقت يختص به، وسقط الجزاء عليه أيضا فكان معاقبا على الفعل غير مأجور على الترك.
فصل
ويصح إيقاع نية الصيام قبل ابتدائه والتشبث به بإجماع؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له»، من غير أن يخص أوله من آخره، قيل: بخلاف الصلاة، من جهة أن إيقاع نية الصوم مع طلوع الفجر معا في حالة واحدة عسير، فلو كلف ذلك الناس لكان من الحرج في الدين، والله تعالى قد رفعه عن عباده بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وليس ذلك بفرق بين الموضعين، إذ لو كانت النية في الصيام قبل الفجر كالعدم، لوجب إيقاعها مع الفجر معا، وإن في ذلك مشقة إذ لا ينفع عمل بغير نية، فلا يمتنع عندي قياس الصلاة على الصيام في جواز تقدم النية قبل ابتداء الصلاة على وجه القياس؛ لأن جواز ذلك في الصيام إجماع من أهل العلم، وفيه سنة قائمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فهذا أصل يجب أن ترد إليه الصلاة المختلف فيها كما رد إليه الغسل والوضوء، فيجوز فيها من تقدم النية قبل ابتدائها ما جوز في الغسل والوضوء قياسا على الصيام.
اسم الکتاب : المقدمات الممهدات المؤلف : ابن رشد الجد الجزء : 1 صفحة : 245