responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 66
عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْحَكِيمَ وَشَرَحَ بِهِ دِينَهُ الْقَوِيمَ وَهَدَى بِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا

، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ قِيلَ إلَى الْجَمَادَاتِ فَبَعَثَهُ عَامَّةً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَبْلِيغَهُ الشَّرَائِعَ لِلْمُكَلَّفِينَ وَدَعْوَتَهُمْ إلَيْهَا (بِإِذْنِهِ) أَيْ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]
(وَ) مِنْ الْكَرَامَاتِ أَيْضًا أَنْ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (سِرَاجًا مُنِيرًا) يُسْتَضَاءُ بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ كَالِاسْتِضَاءَةِ بِالسِّرَاجِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَيُقْتَبَسُ مِنْ نُورِهِ نُورُ الْبَصَائِرِ كَاقْتِبَاسِ نُورِ الْبَصَرِ مِنْ نُورِ السِّرَاجِ، وَعَلَى هَذَا فَالسِّرَاجُ هُوَ النَّبِيُّ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ وَمُنِيرًا قَرِينَتُهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ أَيْ مِثْلُ سِرَاجٍ فِي وُضُوحِ الطَّرِيقِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ شَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالسِّرَاجِ مَعَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أَعْظَمُ؟ فَالْجَوَابُ: إنَّ نُورَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْأَخْذِ مِنْهُمَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ بِخِلَافِ نُورِ السِّرَاجِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّرَاجِ الْقُرْآنُ وَالْمَعْنَى ذَا سِرَاجٍ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ كَدَعْوَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ تَشْبِيهٌ، وَإِنَّ النُّورَ وَالسِّرَاجَ اسْمَانِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ} [المائدة: 15] قِيلَ هُوَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ذِكْرِ أَوْصَافِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا فِي ذِكْرِ أَسْمَائِهِ. (خَاتِمَةٌ) : قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نَاجِي: الْأُمُورُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا فِي الدُّنْيَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَزِيدُ عِنْدَ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا يَنْقُصُ وَهُوَ الْعِلْمُ تَعْلِيمًا وَعَمَلًا، وَقِسْمٌ يَذْهَبُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَهُوَ الْمَالُ، وَقِسْمٌ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَهُوَ السِّرَاجُ.
(وَ) مِمَّا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ تَعَالَى (أَنْزَلَ عَلَيْهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كِتَابَهُ) الْحَكِيمَ وَالْمُرَادُ الْقُرْآنُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِعْجَازِ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ الْمُحْتَجُّ بِأَبْعَاضِهِ، هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى مُحْتَرَزَاتِ تِلْكَ الْقُيُودِ، وَإِنْزَالُهُ مِنْ السَّمَاءِ مُحْدَثٌ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} [الشعراء: 5] وَالذِّكْرُ الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ، وَصِفَةُ إنْزَالِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ صَوْتًا فَأَسْمَعَهُ لِجِبْرِيلَ بِذَلِكَ الصَّوْتِ وَالْحُرُوفِ فَحَفِظَهُ جِبْرِيلُ وَوَعَاهُ وَنَقَلَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَالْإِنْزَالُ إنْزَالُ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ لَا إنْزَالُ الشَّخْصِ وَالصُّورَةِ، فَلَمَّا تَلَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفِظَهُ وَوَعَاهُ وَتَلَاهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَحَفِظُوهُ وَتَلَوْهُ عَلَى التَّابِعِينَ وَتَلَاهُ التَّابِعُونَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَهَكَذَا حَتَّى وَصَلَ لَنَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ وَمُرَتَّبٌ وَفَصِيحٌ وَمَقْرُوءٌ بِالْأَلْسِنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ أَوْصَافِ الْحَادِثِ، وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَيْسَ قَائِمًا بِلِسَانٍ وَلَا حَالًّا فِي مُصْحَفٍ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَالْحَكِيمُ نَعْتٌ لِلْكِتَابِ مَعْنَاهُ الْمُحْكَمُ الْآيَاتِ فَلَا يَقَعُ فِي آيَاتِهِ نَسْخٌ، وَقِيلَ مَعْنَى الْحَكِيمِ الْمُحْكَمُ الْجَامِعُ لِعُلُومِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ أَوْ الَّذِي لَمْ يَقَعْ فِيهِ اخْتِلَافٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] .
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أُنْزِلَ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ صَارَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فَكَانَ أَمَدُ نُزُولِهِ عِشْرِينَ سَنَةً بِقَدْرِ زَمَنِ نُبُوَّتِهِ. وَصُحِّحَ فَقِيلَ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مُدَّةُ الْوَحْيِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرُ سِنِينَ.
الثَّانِي: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ تَوْقِيفِيٌّ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَقِيلَ تَوْقِيفِيٌّ وَقِيلَ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ فَارِسٍ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ. (وَشَرَحَ) أَيْ فَهَّمَ وَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالنَّبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَالَ فِي شَأْنِ الْكِتَابِ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَمَفْعُولُ شَرَحَ (دِينَهُ) أَيْ دِينَ اللَّهِ وَالْمُرَادُ دِينُ الْإِسْلَامِ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] وَوَصَفَ الدِّينَ بِقَوْلِهِ: (الْقَوِيمَ) أَيْ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ. (وَهَدَى) أَيْ أَظْهَرَ (بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أَيْ الطَّرِيقَ الْقَيِّمَ الْمُوَصِّلَ إلَى الْإِسْلَامِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ، وَالْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ: الصِّرَاطُ عَلَى قِسْمَيْنِ حِسِّيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ، فَالْمَعْنَوِيُّ فِي الدُّنْيَا وَالْحِسِّيُّ جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ مَشَى عَلَى الْمَعْنَوِيِّ هُنَا وُفِّقَ لِلْمَشْيِ عَلَى الْحِسِّيِّ هُنَالِكَ.
الثَّانِي: فِي الصِّرَاطِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ بِالسِّينِ وَالصَّادِ، وَالْمُضَارَعَةِ بَيْنَ الصَّادِ وَالزَّايِ، وَغَلِطَ مِنْ قَالَ بِالزَّايِ، وَالصِّرَاطُ يُرَادِفُهُ الطَّرِيقُ، وَالسَّبِيلُ مَعْنَاهُ فِي

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 66
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست