responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 55
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وُصُولِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ إلَى سَمْعِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: خَلَقَ لَهُ فَهْمًا فِي قَلْبِهِ وَسَمْعًا فِي أُذُنَيْهِ سَمِعَ بِهِ كَلَامًا لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ كَمَا نَرَى ذَاتَه تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا انْحِصَارٍ، وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي قُدْرَتِهِ مَا يَفُوقُ خَرْقَ الْعَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَلَامُهُ تَعَالَى صِفَةً ذَاتِيَّةً لَهُ أَيْضًا لَازِمَةً لِذَاتِهِ لَا تُفَارِقُهَا فَمَا بَالُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْمَعْهُ قَبْلَ التَّكْلِيمِ وَلَا بَعْدَهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ إسْمَاعَهُ كَلَامَهُ أَزَالَ الْحِجَابَ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِمَاعِ فَسَمِعَ، ثُمَّ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ رَبِّهِ تَعَالَى وَذَاقَ لَذَّتَهُ أَعَادَ الْحِجَابَ، فَإِنْ قِيلَ: نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ كَلَامَ رَبِّهِ تَعَالَى بِكَلَامِهِ لَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَلِمَاذَا خَصَّ مُوسَى بِالْكَلِيمِ دُونَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؟ فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحْسَنُهَا طَرِيقُ الْأَشْعَرِيِّ وَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ الْأَزَلِيَّ بِلَا صَوْتٍ وَلَا حَرْفٍ كَمَا تُرَى ذَاتُهُ فِي الْآخِرَةِ بِلَا كَمٍّ وَلَا كَيْفٍ، وَقِيلَ: سَمِعَهُ بِصَوْتٍ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ، وَقِيلَ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جِهَةٍ لَكِنْ بِصَوْتٍ غَيْرِ مُكْتَسَبٍ لِلْعِبَادِ عَلَى مَا هُوَ شَأْنُ سَمَاعِنَا بِخِلَافِ سَمَاعِ نَبِيِّنَا بِكَلَامِ رَبِّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُوسَى كَانَ حِينَ سَمَاعِ كَلَامِ رَبِّهِ فِي الْأَرْضِ وَنَبِيَّنَا كَانَ فِي السَّمَاءِ، وَسَمَاعُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لِمَنْ فِي السَّمَاءِ لَمْ يُعْهَدْ لِأَحَدٍ سِوَى مُوسَى، بِخِلَافِ سَمَاعِ مَنْ فِي السَّمَاءِ لِكَلَامِ رَبِّهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ أَوْ لِسَمَاعِ مُوسَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِلَا وَاسِطَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَلَامُ اللَّهِ عِبَارَةً عَنْ الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ عَلِمَ مُوسَى أَنَّ الْمَسْمُوعَ كَلَامُ اللَّهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: عَلِمَهُ مُوسَى إمَّا بِوَحْيٍ أَوْ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ لَهُ عَلِمَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْمُوعَ كَلَامُ رَبِّهِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِهِ وَلَمْ أَرَهُ سِوَى هَامِشٍ وَلَفْظُهُ: قَالَ الثَّعْلَبِيُّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ مِائَةَ أَلْفِ كَلِمَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَفِي كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُ لِمُوسَى: قَتَلْت نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَسْمُوعَ هُوَ الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ هُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ، خِلَافًا لِمَا ادَّعَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَسْمُوعَ هُوَ صَوْتٌ دَالٌ عَلَى الْكَلَامِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ سَمَاعُهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ خُصَّ بِاسْمِ الْكَلِيمِ.
الثَّانِي: سَمَاعُ مُوسَى كَلَامَ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رُؤْيَا مِنْ مُوسَى لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى فِي الْيَقِظَةِ لَمْ تَقَعْ بِالْفِعْلِ لِأَحَدٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا سِوَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
الثَّالِثُ: إنَّمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى لَيْسَ بِصِفَةٍ ذَاتِيَّةٍ لَهُ بَلْ كَلَامُهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ صِفَةُ ذَاتِهِ لِلرَّدِّ عَلَى طَائِفَةٍ سَمَّتْ أَنْفُسَهَا بِالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلِهَا: إنَّ كَلَامَهُ بِأَصْوَاتٍ وَحُرُوفٍ خَلَقَهَا وَهَذَا وَاضِحُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ حَادِثَةٌ لَا تَقُومُ بِالْقَدِيمِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِكَلَامِهِ مَعَ اسْتِفَادَتِهِ مِنْ كَلَامِ مُوسَى إمَّا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِشَارَةِ وَعَلَى الْكِتَابَةِ وَعَلَى النُّطْقِ خَصَّهُ مِنْ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ بِقَوْلِهِ: الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ وَأَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ التَّكْلِيمَ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَكَّدُ بِالْمَصْدَرِ إلَّا الْحَقِيقَةُ لَا الْمَجَازُ.
الرَّابِعُ: عُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِنَا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا خَلْقٌ إلَخْ مَرْفُوعٌ بِالْعِطْفِ عَلَى صِفَةِ ذَاتِهِ فَهُوَ صِفَةٌ لِكَلَامِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي كَلَّمَ الْعَائِدِ عَلَى اللَّهِ، أَيْ أَنَّ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الَّذِي سَمِعَ الْكَلَامَ هُوَ مُوسَى وَحْدَهُ، وَقِيلَ بَلْ سَمِعَهُ السَّبْعُونَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِصَاصِ الْكَلِيمِ بِمُوسَى فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ، وَشَهَادَتِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْمَعُ كَلَامَ مَنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ.
الْخَامِسُ: إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا لِقَصْدِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَلِبَيَانِ أَنَّهَا مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ، وَوَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذِكْرِهَا إثْبَاتَ صِفَةِ الْكَلَامِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ لَهُ: الصِّفَاتُ الْعُلَى، وَإِنْ أَرَادَ بِذِكْرِهَا التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَالْقُرْآنُ سَيَأْتِي قَرِيبًا.
(وَ) لَمَّا مَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مُوسَى بِإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ طَمِعَ فِي رُؤْيَةِ ذَاتِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُحِبِّ فَسَأَلَهُ رُؤْيَةَ ذَاتِهِ بِقَوْلِهِ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] (تَجَلَّى) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيْ أَظْهَرَ بَعْضَ جَلَالِهِ (لِلْجَبَلِ فَصَارَ دَكًّا) أَيْ نَازِلًا فِي الْأَرْضِ حَتَّى قِيلَ إلَى الْآنِ خَشْيَةً (مِنْ جَلَالِهِ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي خَوْفِ الْجَبَلِ وَخَشْيَتِهِ لِجَوَازِ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ عِلْمًا وَحَيَاةً وَبَصَرًا لِتَوَقُّفِ الْخَوْفِ عَلَيْهَا، وَقَالَ مِنْ جَلَالِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ تَجَلِّيَهُ تَعَالَى لِلْجَبَلِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَكْلِيفٍ وَالْمُرَادُ بِالْجَبَلِ طُورُ سَيْنَاءَ.
تَنْبِيهٌ:

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست