responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 53
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَارَةً يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَتَارَةً يَذْكُرُونَ الرَّحْمَنَ قَالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ إلَهًا وَاحِدًا وَإِذَا هُمْ يَعْبُدُونَ آلِهَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] أَيْ اُتْرُكُوا تَسْمِيَةَ الَّذِينَ يَمِيلُونَ عَنْ الْحَقِّ وَيُسَمُّونَهُ بِغَيْرِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ كَيَا أَبْيَضَ الْوَجْهِ وَيَا أَبَا الْمَكَارِمِ، وَلِذَلِكَ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى سُبْحَانَهُ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ، وَمِنْ الْوَارِدِ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَنَّانِ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَالْمَنَّانُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ وَهِيَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ.
(وَ) لَهُ أَيْضًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الصِّفَاتُ) جَمْعُ صِفَةٍ وَهِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْمَوْصُوفِ، (الْعُلَى) أَيْ الْمُرْتَفِعَةُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَالْفَائِقَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ فِي الْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ، وَلَفْظُ الْعُلَى مَصْدَرُ عَلَى يَعْلَى عُلًا إذَا شَرُفَ وَتَنَاهَى فِي الْمَكَارِمِ، وَعَلَى يَعْلُو عُلُوًّا إذَا ارْتَفَعَ، وَلِكَوْنِهِ مَصْدَرًا صَحَّ جَعْلُهُ وَصْفًا لِلْجَمِيعِ وَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ لَا مُخَصِّصٌ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لَهُ تَعَالَى الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ بِقَوْلِهِ: (لَمْ يَزَلْ) سُبْحَانَهُ يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يَزَالُ مَوْجُودًا قَدِيمًا بَاقِيًا مَوْصُوفًا (بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ) النَّفْسِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالْمَعَانِي وَالْمَعْنَوِيَّةِ.
(وَ) لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ أَيْضًا مُسَمًّى بِجَمِيعِ (أَسْمَائِهِ) تَعَالَى وَمُرَادُهُ بِلَمْ يَزَلْ الْقِدَمُ وَبِلَا يَزَالُ الْبَقَاءُ، وَالْمُرَادُ بِقِدَمِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ بِاعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ وَالِاتِّصَافِ بِهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ عِنْدَ ذِكْرِنَا لِكَلَامِ الْجَوْهَرَةِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ خَبَرَ لَمْ يَزَلْ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ وَقَدَّرْنَاهُ قَدِيمًا بَاقِيًا لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ رَدٍّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا سَيُبَيِّنُهُ (تَعَالَى) سُبْحَانَهُ وَتَنَزَّهَ عَنْ (أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ) الذَّاتِيَّةُ (مَخْلُوقَةً وَ) تَعَالَى أَيْضًا عَنْ أَنْ تَكُونَ (أَسْمَاؤُهُ مُحْدَثَةً) بِمَعْنَى مَخْلُوقَةٍ وَأَشَارَ فِي الْجَوْهَرَةِ إلَى بَيَانِ قِدَمِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِقَوْلِهِ:
وَعِنْدَنَا أَسْمَاؤُهُ الْعَظِيمَةُ ... كَذَا صِفَاتُ ذَاتِهِ قَدِيمَةٌ
وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةَ قَدِيمَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ.
وَالْمُرَادُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى مَا دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ كَ " اللَّهِ "، أَوْ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ، وَقَدَّمَهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ قِدَمِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ تَعَالَى كَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ بِهَا وَهَذَا أَحْسَنُ خُصُوصًا، وَالرَّاجِحُ أَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ هُوَ اللَّهُ فَهُوَ الَّذِي سَمَّى نَفْسَهُ بِهَا أَزَلًا، وَمَعْنَى سَمَّى نَفْسَهُ بِهَا أَظْهَرَ تَسْمِيَتَهُ بِهَا إذْ الْعَقْلُ لَا يَتَصَوَّرُهُ إلَّا مُسَمًّى وَمُتَّصِفًا بِهَا، وَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ - بِالتَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ. . . إلَخْ وَبِمَا قَبْلَهُ - الرَّدَّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّهَ كَانَ فِي الْأَزَلِ بِلَا اسْمٍ وَلَا صِفَةٍ فَلَمَّا أَوْجَدَ الْخَلْقَ وَصَفُوا لَهُ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ، وَفِيهِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى النُّفَاتِ لِزِيَادَةِ الصِّفَاتِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِلَا عِلْمٍ وَقَادِرٌ بِلَا قُدْرَةٍ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ صِفَاتِهِ عَيْنُ ذَاتِهِ، وَهُنَاكَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ، بَلْ ذَاتُهُ تُسَمَّى بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ بِالْمَعْلُومَاتِ عَالِمًا وَبِالْمَقْدَرَاتِ قَادِرًا هُرُوبًا مِنْ تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ وَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُمْ، إذْ التَّعَدُّدُ الْمَمْنُوعُ تَعَدُّدُ الْآلِهَةِ.
وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا نَقُولُ: الْمَعْبُودُ ذَاتٌ وَاحِدَةٌ وَلَهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ بِقِدَمِهَا وَلَا حَظْرَ فِي ذَلِكَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا وَلَيْسَتْ عَيْنَ الذَّاتِ حَتَّى يَكُونَا إلَهَيْنِ وَلَا غَيْرَهَا حَتَّى تَكُونَ مُحْدَثَةً فَهِيَ كَالْوَاحِدَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ صِفَاتُ الذَّاتِ لَيْسَتْ بِغَيْرٍ أَوْ بِعَيْنِ الذَّاتِ وَقُيِّدَتْ الصِّفَاتُ بِالذَّاتِيَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ.
قَالَ الْمَحَلِّيُّ: أَمَّا صِفَاتُ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ فَلَيْسَتْ أَزَلِيَّةٌ وَإِنَّمَا هِيَ حَادِثَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا إضَافَاتٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ وَهِيَ تَعَلُّقَاتُهَا بِوُجُودِ ذَاتِ الْمَقْدُورَاتِ لِأَوْقَاتِ وِجْدَانِهَا، وَلَا مَحْظُورَةَ فِي اتِّصَافِ الْبَارِي بِالْإِضَافَاتِ كَكَوْنِهِ قَبْلَ الْعَالَمِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ، وَأَزَلِيَّةٌ أَسْمَائِهِ الرَّاجِعَةُ إلَى صِفَاتِ الْأَفْعَالِ مِنْ حَيْثُ رُجُوعِهَا إلَى الْقُدْرَةِ لَا الْفِعْلِ، فَالْخَالِقُ مَثَلًا مِنْ شَأْنِهِ الْخَلْقُ وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ الْخَلْقُ وَهِيَ الْقُدْرَةُ وَالْقُدْرَةُ قَدِيمَةٌ وَصُدُورُ الْخَلْقِ لَيْسَ أَزَلِيًّا، فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَتَّصِفُ الْبَارِي بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَهِيَ حَادِثَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْأَشْعَرِيِّ وَقِيَامُ الْحَادِثِ بِالْقَدِيمِ مُحَالٌ؟ قُلْت: اتِّصَافُهُ بِهَا لَا يَقْتَضِي قِيَامَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا إضَافَاتٌ وَهِيَ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ لَيْسَتْ بِصِفَاتٍ حَقِيقِيَّةٍ بِحَيْثُ تَكُونُ مَوْجُودَةً بِالْوُجُودِ.

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 53
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست