responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 44
بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ.

وَلَا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، الْعَالَمُ الْخَبِيرُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُ الْحَقِيقَةَ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَالْحُكَمَاءُ وَنَازَعَ الْمُتَكَلِّمُونَ وَجَوَّزُوا مَعْرِفَةَ الذَّاتِ وَمَنَعُوا حَصْرَهَا فِي طَرِيقِ الْبَدَاهَةِ وَالنَّظَرِ لِجَوَازِ مَعْرِفَتِهَا بِالْإِلْهَامِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ وَتَزْكِيَتِهَا عَنْ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى امْتِنَاعِ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الذَّاتِ، وَمَنْ قَالَ بِعِلْمِهَا مُرَادُهُ عِلْمُهَا بِالصِّفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى جَلَالِ عَظَمَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا يُدْرِكُ كُنْهَ صِفَتِهِ الْوَاصِفُونَ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رَدُّوا عَلَى الْمُؤَلِّفِ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْمَائِيَّةِ عَلَى ذَاتِهِ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ نَفْيَ الْمَائِيَّةِ عَنْ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْمَائِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّذِي لَهُ جِنْسٌ وَنَوْعٌ وَلِمَا لَهُ مِثَالٌ وَالْبَارِي لَيْسَ كَذَلِكَ، فَفِي كَلَامِهِ إطْلَاقُ الْمُوهَمِ عَلَى اللَّهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْعِهِ، وَأُجِيبَ عَلَى ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ ضَرْبٌ مِنْ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ فِي التَّلَفُّظِ وَهَذَا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ، بَلْ ذَاتُهُ تَعَالَى مَوْجُودَةٌ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا بِشَهَادَةِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] .
وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى حَدِّ: عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ، أَيْ لَيْسَ لِلَّاحِبِ أَيْ الطَّرِيقِ مَنَارٌ فَيُهْتَدَى بِمَنَارِهِ أَيْ عَلَامَتِهِ، وَلَا مَائِيَّةَ لَهُ تَعَالَى فَيَفْتَكِرُ فِيهَا الْمُتَفَكِّرُونَ، وَاسْتَعْمِلْ هَذَا فِي كُلِّ مَا أُشْكِلَ عَلَيْك مِنْ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ جَيِّدٌ، وَمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ لِلَّهِ مَاهِيَّةً لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ عَنْهُ فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ تَعَالَى اسْمًا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهَا الذَّاتُ لَا الْمَاهِيَّةُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِمَا لَهُ جِنْسٌ وَنَوْعٌ، وَالْبَارِي لَا مُمَاثِلَ لَهُ فِي أَمْرٍ مَا قَالَ الْأَشْعَرِيُّ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ: لَا يُسْأَلُ عَنْهُ تَعَالَى بِكَيْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَثِيلَ لَهُ، وَلَا بِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا جِنْسَ لَهُ، وَلَا بِمَتَى؛ لِأَنَّهُ لَا زَمَانَ لَهُ، وَلَا بِأَيْنَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَكَانَ لَهُ.
الثَّانِي: الذَّاتُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْحَقِيقَةُ، فَإِضَافَةُ مَائِيَّةٍ إلَى ذَاتِهِ فِي كَلَامِهِ بَيَانِيَّةٌ أَيْ مَائِيَّةٌ هِيَ ذَاتُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: الْمَعْرُوفُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الشَّيْءِ.
الثَّالِثُ: اُخْتُلِفَ هَلْ التَّفَكُّرُ أَفْضَلُ مِنْ نَحْوِ: الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ النَّفْلِ أَوْ هُمَا أَفْضَلُ؟ فَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّهُمَا أَفْضَلُ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَمَنْ كَانَ عَقْلُهُ سَالِمًا ثَابِتًا بِحَيْثُ يَأْمَنُ صَاحِبُهُ مِنْ التَّشْبِيهِ فَالتَّفَكُّرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ قَالَهُ الشَّاذِلِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: مَا نَفَعَ الْقَلْبَ شَيْءٌ مِثْلُ عُزْلَةٍ يَدْخُلُ بِهَا مَيْدَانَ فِكْرَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّفَكُّرُ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ مِنْ فِعْلِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَلْبِ أَعْلَى مِنْ فِعْلِ النَّفْسِ، وَحَدِيثُ: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَبْعٍ أَوْ سَبْعِينَ أَوْ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لَا أَصْلَ لَهُ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْعِبَادَ الْعَارِفِينَ بِطُرُقِ مَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ الْمَشْغُولِينَ بِالتَّفَكُّرِ فِي الْمَصْنُوعَاتِ (لَا يُحِيطُونَ) بِمَعْنَى لَا يَعْمَلُونَ إلَى الْعِلْمِ (بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) أَيْ مَعْلُومَاتِهِ تَعَالَى (إلَّا بِمَا شَاءَ) أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ فَيَعْلَمُونَ بِهِ، وَذَلِكَ كَإِخْبَارِهِ تَعَالَى رُسُلَهُ الْكِرَامَ، فَالْمَجْرُورُ بَدَلٌ مِنْ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا بِالْمَعْلُومِ الَّذِي أَرَادَ إعْلَامَهُمْ بِهِ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومَاتِ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ بِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَقْتَضِي أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى يَتَبَعَّضُ وَأَنَّهُ يُحَاطُ بِهِ إذَا شَاءَ اللَّهُ، وَالثَّانِي يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا سَبَقَ: لَا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الْوَاصِفُونَ، وَالْأَوَّلُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ عِلْمَهُ بَلْ وَكُلَّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَاحِدَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَإِنْ تَعَدَّدَ مُتَعَلِّقُهَا، وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ لَفْظُ الْمَصْدَرِ وَيُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ: أَيْ أَنَّ الْعِبَادَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ إلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ أَيْ مَشِيئَتِهِ، فَمَا فِي قَوْلِهِ: إلَّا بِمَا شَاءَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ عَلَى مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: قِيلَ إنَّ الْمَعْلُومَاتِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقِسْمٌ عَلِمَهُ اللَّوْحُ وَالْقَلَمُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ مَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ فِي اللَّوْحِ، وَقِسْمٌ عَلِمَهُ الْمَلَائِكَةُ، وَقِسْمٌ عَلِمَهُ الْأَنْبِيَاءُ، وَقِسْمٌ عَلِمَهُ الْأَوْلِيَاءُ كَالْمُكَاشَفَاتِ، وَعِلْمُهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ.
وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] وَمَعْنَى وُسْعِهِ لِتِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ أَنَّهُ لَمْ يَضِقْ عَنْهُنَّ إذْ فَضْلُهُ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ، وَالْكُرْسِيُّ فِي الْأَصْلِ وَاحِدُ الْكَرَاسِيِّ الَّذِي يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ: وَهَذَا تَصْوِيرٌ لِعَظَمَتِهِ وَتَمْثِيلٌ حِسِّيٌّ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ الْبَشَرِيَّةَ أَبَدًا تَجِدُ مِنْ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 44
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست