responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 41
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمَّا قَدَّمَ بَعْضَ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَهِيَ الْوَحْدَانِيَّةُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِوَاحِدٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِنَفْيِ الشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ، ذَكَرَ هُنَا صِفَتَيْنِ وَهُمَا الْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ مُعَبِّرًا عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ) أَيْ لِوُجُودِهِ (ابْتِدَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ وَهُوَ مَوْجُودٌ لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَسْبِقَ وُجُودَهُ عَدَمٌ، لِأَنَّ الْقِدَمَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْأَوَّلِيَّةِ لِلْوُجُودِ لِئَلَّا يَلْزَمَ حُدُوثُهُ، وَمِنْ لَازَمَ الْحُدُوثِ الِافْتِقَارُ إلَى مُحْدِثٍ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِيمٌ لَمْ يُسْبَقْ بِعَدَمٍ، وَقَيَّدْنَا الْقِدَمَ بِالذَّاتِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى لِرُجُوعِهِ إلَى وُجُوبِ الْوُجُودِ فَهُوَ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقِدَمِ الزَّمَانِيِّ بِمَعْنَى مُرُورِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى الشَّيْءِ مَعَ بَقَائِهِ فَهَذَا مُحَالٌ عَلَيْهِ تَعَالَى.
وَمِنْهُ: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِدَمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: ذَاتِيٌّ كَقِدَمِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ، وَزَمَانِيٌّ كَقِدَمِ زَمَانِ الْهِجْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَوْمِ، وَإِضَافِيٌّ كَقِدَمِ الْأَبِ بِالنِّسْبَةِ لِلِابْنِ، وَسَلْبِيٌّ كَقِدَمِ وُجُودِهِ تَعَالَى بِمَعْنَى سَلْبِ سَبْقِ الْعَدَمِ لِوُجُودِهِ تَعَالَى.
(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (لِآخِرِيَّتِهِ) أَيْ بَقَائِهِ (انْقِضَاءٌ) أَيْ فَرَاغٌ لِامْتِنَاعِ لُحُوقِ الْعَدَمِ لِمَا ثَبَتَ لَهُ تَعَالَى مِنْ وُجُوبِ الْقِدَمِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ لُحُوقُ الْعَدَمِ لَهُ تَعَالَى لَكَانَتْ نِسْبَةُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ إلَى ذَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءً، فَيَلْزَمُ افْتِقَارُ وُجُودِهِ إلَى مُوجِدٍ يَخْتَرِعُهُ بَدَلًا عَنْ الْعَدَمِ الْجَائِزِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ حَادِثًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ الْوُجُودِ لَهُ تَعَالَى، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ بَاقٍ لَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَدَمُ انْتِهَاءِ الْوُجُودِ أَوْ نَفْيُ الْعَدَمِ اللَّاحِقِ لِلْوُجُودِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ كَنَّى عَنْ الْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ بِلَفْظِ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ إشَارَةً إلَى قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد: 3] لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ يُوهِمُ ابْتِدَاءَ الْأَوَّلِيَّةِ وَانْقِضَاءَ الْآخِرِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ مَعْهُودٌ فِي كُلِّ أَوَّلٍ وَفِي كُلِّ آخِرٍ بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَلَا لِآخِرِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْأَسْمَاءِ: أَوَّلٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ وَآخِرٌ بِلَا انْتِهَاءٍ مِثْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتَقْرِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَيْسَ لِسَبْقِهِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ابْتِدَاءٌ وَلَا لِبَقَائِهِ بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ انْتِهَاءٌ، وَتَقْرِيرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْأَسْمَاءِ: لَيْسَ لِكَوْنِهِ أَوَّلًا ابْتِدَاءٌ وَلَا لِكَوْنِهِ آخِرًا انْتِهَاءٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهَذَا بِخِلَافِ أَوَّلِيَّةِ الْمَخْلُوقَاتِ. فَإِنَّ كُلَّ أَوَّلٍ مِنْهَا لَهُ آخِرٌ إلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَأَهْلُهُمَا، فَإِنَّ هَذِهِ لَهَا أَوَّلٌ بِاعْتِبَارِ خَلْقِ اللَّهِ إيَّاهَا وَلَيْسَ لَهَا آخِرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْنَى، وَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَوَّلِيَّةٌ لَكِنْ لَا ابْتِدَاءَ لَهَا وَأَنَّ لَهُ آخِرِيَّةً لَكِنْ لَا انْقِضَاءَ لَهَا، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ كَنَّى بِنَفْيِ ابْتِدَاءِ الْأَوَّلِيَّةِ وَانْتِهَاءِ الْآخِرِيَّةِ عَنْ نَفْيِ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ، أَوْ يُقَالُ: إذَا انْتَفَتْ الِابْتِدَائِيَّةُ عَنْ الْأَوَّلِيَّةِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْأَوَّلِيَّةُ إذْ لَا تَكُونُ أَوَّلِيَّةً مِنْ غَيْرِ ابْتِدَاءٍ، وَإِذَا انْتَفَتْ الِانْتِهَائِيَّةُ عَنْ الْآخِرِيَّةِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْآيَةُ إذْ كَيْفَ تَكُونُ آخِرِيَّةً مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءٍ؟ وَأَجَابَ بَعْضٌ آخَرَ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ النَّفْيَ مُنْصَبٌّ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ إذْ لَيْسَ لَهُ أَوَّلِيَّةٌ فَيَكُونُ لَهَا ابْتِدَاءٌ وَلَا آخِرِيَّةٌ فَيَكُونُ لَهَا انْقِضَاءٌ كَقَوْلِهِ: عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ. أَيْ لَيْسَ لَهُ مَنَارٌ فَيُهْتَدَى بِهِ، فَيَكُونُ أَطْلَقَ نَفْيَ الصِّفَةِ وَأَرَادَ بِهَا نَفْيَ الْمَوْصُوفِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ عَلَى طَرِيقِ السَّكَّاكِيِّ إذْ هِيَ عِنْدَهُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ كَمَا هُنَا، وَاللَّاحِبُ الطَّرِيقُ وَالْمَنَارُ الْعَلَامَةُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِيَّةِ الْأَسْبَقِيَّةُ وَبِالْآخِرِيَّةِ الْبَقَاءُ، وَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَى ابْتِدَاءِ تِلْكَ الْأَسْبَقِيَّةِ وَعَلَى انْتِهَاءِ تِلْكَ الْآخِرِيَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ أَيْ أَنَّهُ قَدِيمٌ أَيْ لَمْ يَسْبِقْ وُجُودَهُ عَدَمٌ، وَبَاقٍ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ عَدَمٌ إذْ الْقِدَمُ سَلْبُ الْعَدَمِ السَّابِقِ عَلَى الْوُجُودِ وَالْبَقَاءُ سَلْبُ الْعَدَمِ اللَّاحِقِ لِلْوُجُودِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَمْلُنَا أَظْهَرَ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِشْكَالِ الْمُحْوِجِ إلَى الْجَوَابِ بِمَا تَقَدَّمَ وَلِسَلَامَتِهِ مِنْ إيهَامِ التَّنَاقُضِ لِإِثْبَاتِهِ الْأَوَّلِيَّةَ وَالْآخِرِيَّةَ ثُمَّ نَفِيهِمَا عَنْهُ وَهُوَ تَنَاقُضٌ وَلَا كَلَامَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ هِيَ الِابْتِدَاءُ وَالْآخِرِيَّةَ الِانْقِضَاءُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لَا إلَهَ غَيْرُهُ إلَى قَوْلِهِ وَلَا لِآخِرِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ إلَى صِفَاتٍ لِلسُّلُوبِ، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ مَعَ الْإِشَارَةِ لِلصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ بِقَوْلِهِ:
فَوَاجِبٌ لَهُ الْوُجُودُ وَالْقِدَمُ ... كَذَا بَقَاءٌ لَا يُشَابُ بِالْعَدَمِ
وَإِنَّهُ لِمَا يَنَالُ الْعَدَمُ ... مُخَالِفٌ بُرْهَانَ هَذَا الْقِدَمِ
قِيَامُهُ بِالنَّفْسِ وَحْدَانِيَّةٌ ... مُنَزَّهٌ أَوْصَافُهُ سَنِيَّةٌ
عَنْ ضِدٍّ أَوْ شِبْهِ شَرِيكٍ مُطْلَقًا ... وَوَالِدٍ كَذَا الْوَلَدُ وَالْأَصْدِقَا
فَالْوُجُودُ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَمَا بَعْدَهَا خَمْسٌ سَلْبِيَّةٌ وَهِيَ أُمَّهَاتُ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ، فَلَا يُنَافِي عَدَمَ حَصْرِهَا.

وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 41
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست