responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 291
بِك وَخَلَّفَ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَافْتَقَرَ إلَى مَا عِنْدَك اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ مَنْطِقَهُ وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ وَتَجْصِيصُهَا

وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ شَافِعٌ وَحَقُّ الشَّافِعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، فَالْمَاشِي أَمَامَهَا مُحَصِّلٌ لِفَضِيلَتَيْنِ الْمَشْيِ وَالتَّقَدُّمِ، وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ إلَّا بَعْدَ الدَّفْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ الْمَاشِينَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالرَّاكِبُونَ فَالْمَنْدُوبُ فِي حَقِّهِمْ التَّأَخُّرُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَمَشْيُ مُشَيِّعٍ وَإِسْرَاعُهُ وَتَقَدُّمُهُ وَتَأَخُّرُ، رَاكِبٍ وَامْرَأَةٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْإِسْرَاعُ بِالْجِنَازَةِ لِخَبَرِ: «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهُمْ إلَيْهِ وَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» . وَنَدْبُ الْإِسْرَاعِ لَا يُنَافِي مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي الْمَشْيِ بِجَنَائِزِكُمْ» ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ دُونَ الْخَبَبِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَصْدِ.
1 -
(تَنْبِيهٌ) : الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ الْخُرُوجُ لِتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا هُمْ الرِّجَالُ وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَأَمَّا النِّسَاءُ الْمَخْشِيَّاتُ الْفِتْنَةَ فَلَا يَحِلُّ خُرُوجُهُنَّ وَلَوْ لِجِنَازَةِ وَلَدٍ أَوْ زَوْجٍ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ غَيْرُ الْمَخْشِيَّةِ فَتَخْرُجُ لِجِنَازَةِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهَا فَقْدُهُ كَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَخِيهَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ.

[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يُجْعَلَ الْمَيِّتُ) أَيْ يُضْجَعَ (فِي قَبْرِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَتُحَلُّ عُقَدُ كَفَنِهِ، وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ، وَيُعْدَلُ رَأْسُهُ بِالتُّرَابِ وَرِجْلَاهُ بِرِفْقٍ، وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَضْعُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى ظَهْرِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَضُجِعَ فِيهِ عَلَى أَيْمَنَ مُقْبِلًا وَتُدُورِكَ إنْ خُولِفَ بِالْحَضْرَةِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي قَبْرِهِ بَلْ مَيِّتُ الْبَحْرِ إنْ لَمْ يُرْجَ الْبُرْءُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُثَقَّلُ بِشَيْءٍ فِي رِجْلَيْهِ أَوْ لَا قَوْلَانِ.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ يَمُوتُ وَخِفْنَا عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ لِعَدَمِ كَافِرٍ يُوَارِيه فَيَجِبُ عَلَيْنَا مُوَارَاتُهُ وَلَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يُنْصَبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الطُّوبُ النِّيءُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسَدُّهُ بِلَبِنٍ ثُمَّ لَوْحٍ ثُمَّ قُرْمُودٍ ثُمَّ آجُرٍّ ثُمَّ قَصَبٍ، وَسَتْرُهُ بِالتُّرَابِ أَوْلَى مِنْ التَّابُوتِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ " مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَدَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَنَصَبَ اللَّبِنَ عَلَى لَحْدِهِ» وَفَعَلَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَهُوَ أَفْضَلُ مَا يَسُدُّهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ خَلَا التُّرَابَ فَالسَّدُّ بِهِ وَصَبُّهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَفْضَلُ مِنْ وَضْعِهِ فِي التَّابُوتِ وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُوضَعُ كَالصُّنْدُوقِ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ لِلْوَاضِعِ لِلْمَيِّتِ فِي حَالِ إضْجَاعِهِ لَهُ أَنْ (يَقُولَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ سَدِّ الْقَبْرِ عَلَيْهِ (اللَّهُمَّ إنَّ صَاحِبَنَا قَدْ نَزَلَ بِك) ضَيْفًا (وَخَلَّفَ) بِشَدِّ اللَّامِ أَيْ تَرَكَ (الدُّنْيَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَافْتَقَرَ إلَى مَا عِنْدَك) مِنْ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ وَحِيدًا فَرِيدًا وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مُتَعَزِّزًا بِقَوْمِهِ وَمَالِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا أَوْ أَبًا (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّهَا (عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (مَنْطِقَهُ) أَيْ نُطْقَهُ وَالْمَعْنَى: أَسْأَلُك يَا رَبِّ أَنْ تُعْطِيَ هَذَا الْمَيِّتَ قُوَّةً عَلَى فَهْمِ وَرَدِّ جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْأَلَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَعْدَ إقْعَادِهِ وَرَدِّ الْحَيَاةِ فِي جَمِيعِهِ وَقِيلَ نِصْفِهِ الْأَعْلَى وَإِعْطَائِهِ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفَهْمُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ الْحَاضِرِينَ لِلدَّفْنِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْآخِرَةِ وَقْتُ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي الْعَقِيدَةِ. (وَلَا تَبْتَلِهِ) أَيْ لَا تَخْتَبِرْهُ (فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ) أَيْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى رَدِّ جَوَابِهِ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ صِفَةَ السُّؤَالِ مُخْتَلِفَةٌ بِالصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ. (وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ اجْعَلْهُ فِي جِوَارِهِ وَمَشْمُولًا بِشَفَاعَتِهِ، وَاخْتَارَ هَذَا الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ دُونَ غَيْرِهِ، إذْ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ» .
قَالَ الْإِمَامُ أَشْهَبُ: عَقِبَ هَذَا الدُّعَاءِ إنْ دَعَا بِغَيْرِهِ فَحَسَنٌ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الدُّعَاءِ مِمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى خَلِيلٍ فَرَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى دَفْنِ الْمَيِّتِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ إظْهَارِ قَبْرِهِ فَقَالَ: (وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ) وَكَذَا تَحْوِيزُ مَوَاضِعِهَا بِالْبِنَاءِ حَوْلَهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَإِنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «وَضَعَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ حَجَرًا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ: أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِهِ» وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ لِلْبِنَاءِ إذَا عَرَى قَصْدُ الْمُبَاهَاةِ وَإِلَّا حَرُمَ، كَمَا إذَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ كَصَيْرُورَتِهِ مَأْوًى لِلُّصُوصِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَمَحِلُّهَا أَيْضًا إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَانِي أَوْ مُبَاحَةٍ كَمَوَاتٍ، وَأَمَّا فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ فَحَرَامٌ كَالْقَرَافَةِ بِمِصْرَ، وَمَحَلُّهَا أَيْضًا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مُجَرَّدَ تَمْيِيزِ الْقَبْرِ وَإِلَّا جَازَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ لِلتَّمْيِيزِ، قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ الْبِنَاءُ أَوْ التَّجْوِيزُ، كَمَا يَجُوزُ وَضْعُ خَشَبَةٍ أَوْ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 291
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست