responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 143
مَعَ صَبِّ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُ جَاءَ الْأَثَرُ «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَعَقِبُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ

وَلَيْسَ تَحْدِيدُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ ثَلَاثًا بِأَمْرٍ لَا يُجْزِئُ دُونَهُ، وَلَكِنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ إذَا أَحْكَمَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي إحْكَامِ ذَلِكَ سَوَاءً

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ طَرَفَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQشُقُوقٍ) فِي الرِّجْلِ (فَلِيُبَالِغْ بِالْعَرْكِ) فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ (مَعَ صَبِّ الْمَاءِ بِيَدِهِ) عَلَيْهَا كَأَسَارِيرِ الْجَبْهَةِ، وَلَمَّا كَانَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى تِلْكَ الْأَمَاكِنِ مُعَالَجَةٌ أَتَى الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِلَفْظِ يَكَادُ الدَّالُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي الصِّحَاحِ: كُلُّ شَيْءٍ تُعَالِجُهُ فَأَنْتَ تَكِيدُهُ، فَدَعْوَى زِيَادَتُهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَمَا لَا يَقْرُبُ مُدَاخَلَةُ الْمَاءِ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُنْتَهَى غَسْلِهِمَا آخِرُ الْكَعْبَيْنِ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمَغْسُولِ وَهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ بِمَفْصِلَيْ السَّاقَيْنِ الْمَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِإِبْرَازِ الرِّجْلَيْنِ.
ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ الْمُبَالَغَةِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْحَالُ وَالشَّأْنُ (جَاءَ الْأَثَرُ) أَيْ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَوَيْلٌ كَلِمَةٌ تَقُولهَا الْعَرَبُ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ وَوَقَعَ فِي الْهَلَاكِ، وَقِيلَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَخْصِيصِ التَّعْذِيبِ بِالْأَعْقَابِ دُونَ غَيْرِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُمَّ التَّعْذِيبُ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَعَلَيْهِ فَيُقَدَّرُ مُضَافٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لِذَوِي الْأَعْقَابِ، وَنَسَبَ الْعَذَابَ لَهَا لِشِدَّتِهِ فِيهَا أَوْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُعَذَّبٍ، ثُمَّ إنَّ هَذَا يَجْرِي فِي كُلِّ لُمْعَةٍ تَبْقَى فِي الْأَعْضَاءِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَعْقَابَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ حِينَ رَأَى أَعْقَابَ النَّاسِ تَلُوحُ وَلَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ.
وَقَوْلُهُ مِنْ النَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِوَيْلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهَلَاكَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا تُوَلْوِلُ تَقُولُ: يَا وَيْلَاه وَتَضِجُّ مِنْ عَذَابِ النَّارِ بِنَاءً عَلَى التَّجَوُّزِ فِي الْإِسْنَادِ لِأَنَّ الَّذِي يُوَلْوِلُ إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ الْأَعْقَابِ، فَمِنْ عَلَى هَذَا تَعْلِيلِيَّةٌ وَعَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِوَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَكُونُ مِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى النَّارِ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَفَسَّرْنَا الْأَثَرَ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَقَعُ عَلَى الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُنَا، وَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ نَحْوِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرُ الْمُتَقَدِّمِينَ يُطْلِقُ الْأَثَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ وَيَخُصُّ الْخَبَرَ بِالْمَرْفُوعِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ:
وَسَمِّ بِالْمَوْقُوفِ مَا قَصَّرْته بِصَاحِبٍ وَصَلْت أَوْ قَطَعْته
وَبَعْضُ أَهْلِ الْفِقْهِ سَمَّاهُ الْأَثَرَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنْ الْمُصَنِّفَ اسْتَعْمَلَهُ هُنَا فِي الْمَرْفُوعِ وَفَسَّرَ الْعَقِبَ بِقَوْلِهِ: (وَعَقِبُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (وَ) هُوَ (آخِرُهُ) لِأَنَّهُ آخِرُ الْقَدَمِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيه الْعَامَّةُ بِالْكَعْبِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (بِغَسْلِ) الرِّجْلِ (الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) مِنْ صَبِّ الْمَاءِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَعَرْكِهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَرْكًا لَطِيفًا وَيُوعِبُهَا بِذَلِكَ ثَلَاثًا وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهَا نَدْبًا
(خَاتِمَةٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: يَقُولُ عِنْدَ غَسْلِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تُثَبِّت أَقْدَامَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى: وَأَعُوذُ بِك أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ.

وَلَمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ يُطْلَبُ فِيهَا غَسْلُ كُلِّ عُضْوٍ ثَلَاثًا خُشِيَ أَنْ يَتَوَهَّمَ الْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِهِ وُجُوبَهَا قَالَ: (وَلَيْسَ تَحْدِيدُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ) كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِأَمْرٍ) أَيْ شَأْنٍ (لَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَلَكِنَّهُ) أَيْ التَّثْلِيثَ (أَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ) فَلَا يُنَافِي فِي أَنَّ الْوَاجِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَيْثُ أَسْبَغَتْ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَضِيلَةٌ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي الْفَضَائِلِ: وَشَفْعُ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثُهُ وَالزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُحَقَّقَاتِ قِيلَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ مَمْنُوعٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رُوِيَ، «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَيَدْخُلُ فِي الزَّائِدِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ حَيْثُ كَانَ ثَلَاثًا.
وَمَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ الزِّيَادَةِ إذَا فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ فِي الْوُضُوءِ لَا إنْ فَعَلَهَا لِزِيَادَةِ تَنَظُّفٍ أَوْ تَبَرُّدٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ عَنْ الزِّيَادَةِ عَنْ تَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّكِّ فِي الزِّيَادَةِ فَقَوْلَانِ: بِالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ، وَلَمَّا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّثْلِيثَ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَالَ: (وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ) أَيْ يَغْسِلُ جَمِيعَ الْعُضْوِ (بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ وَهُوَ الثَّلَاثُ (أَجْزَأَهُ) فِعْلُ ذَلِكَ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً (إذَا أَحْكَمَ) أَيْ أَوْعَبَ (ذَلِكَ) فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِمَا يَعُمُّ وَلَوْ غَسْلَةً وَاحِدَةٌ قَوْله تَعَالَى: اغْسِلُوا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَدَدٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ غَسْلٌ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» الْحَدِيثَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ هِيَ الْفَرْضُ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ الْمُسْبِغَةِ، فَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ.
وَعَنْهُ الْكَرَاهَةُ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَالِمِ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ بَقَاءِ لُمْعَةٍ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 143
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست