responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 10
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ خُلُقُهُ، فَتَعَيَّنَ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْحَمْدِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا حَمْدُ النَّاسِ بَعْضَهُمْ لِبَعْضِ عَلَى الْإِحْسَانِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ: «مِنْ لَمْ يَحْمَدْ النَّاسَ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ» فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَمْدٌ لِلَّهِ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ الْحَادِثِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْمُنْعِمَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ، لِأَنَّ تَوْحِيدَ الْعِبَادِ لِلْإِحْسَانِ لِغَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى كَوْنِهَا لِلْعَهْدِ دَلَالَتُهَا عَلَى الْحَمْدِ الَّذِي صَدَرَ مِنْ الْمَوْلَى فِي الْأَزَلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ عَجْزَ خَلْقِهِ عَنْ كُنْهِ حَمْدِهِ حَمِدَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ فِي أَزَلِهِ نِيَابَةً عَنْ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدُوهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ ذِكْرِيٌّ أَوْ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ فِي ذِهْنِ آدَمَ ثُمَّ نَطَقَ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ ذِهْنِيٌّ، وَجُمْلَةَ الْحَمْدِ لِلَّهِ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِهَا مَعَ الْإِذْعَانِ لِمَدْلُولِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ وَهُوَ كَلَامٌ يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ نَحْوُ: أَنْتَ حُرٌّ وَقُمْ، وَالْخَبَرُ كَلَامٌ يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ وَالتَّلَفُّظِ بِهِ حِكَايَةً لَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْإِنْشَاءُ يَتْبَعُهُ مَدْلُولُهُ وَالْخَبَرُ يَتْبَعُ مَدْلُولَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ جُمْلَةُ الْحَمْدِ لِلَّهِ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى لِأُمُورٍ: مِنْهَا حُصُولُ الْحَمْدِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا مَعَ الْإِذْعَانِ لِمَدْلُولِهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ قَائِلَ الْحَمْدِ لِلَّهِ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ حَمْدِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ إيجَادَ الْحَمْدِ مِنْهُ لَهُ تَعَالَى، كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنَّمَا يَقْصِدُ إيجَادَ الْعِتْقِ وَصُدُورَهُ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِجَعْلِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً.
وَمِنْهَا: أَنَّ وَصْفَ الْمُتَكَلِّمِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، كَمَا أَنَّ وَصْفَ الْعَبْدِ بِالْحُرِّيَّةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَذَلِكَ عَلَامَةُ الْإِنْشَاءِ.
وَمِنْهَا: إنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُثَابُ عَلَى قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ حَامِدًا بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً لَمْ يُثَبْ، إذْ الثَّوَابُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ بِهِ لَا عَلَى الْإِخْبَارِ، وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ مُعَارِضًا بِهِ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَأَنَّ الْمُخْبِرَ بِأَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ مُثْنٍ عَلَيْهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ بِمَحْضِ الْخَبَرِ، وَحَقِيقَةُ الْحَمْدِ اللَّفْظِيِّ لُغَةً الثَّنَاءُ بِالْجَمِيلِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَسَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ وَهِيَ الْمَزَايَا غَيْرُ الْمُتَعَدِّيَةِ أَوْ بِالْفَضَائِلِ وَهِيَ الْمَزَايَا الْمُتَعَدِّيَةُ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا مُتَعَدِّيَةً أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقِهَا عَلَى تَعَلُّقِهَا بِالْغَيْرِ، مِثَالُ الْقَاصِرَةِ: الْحُسْنُ وَالْعِلْمُ وَالشَّجَاعَةُ، وَمِثَالُ الْمُتَعَدِّيَةِ: الْإِنْعَامُ وَالْكَرَمُ، وَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعَدِّي ذَوَاتِ الْكِمَالَاتِ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ ذَوَاتِهَا يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعَدِّي الْأَثَرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ يَتَعَدَّى أَثَرُهُمَا إلَى الْغَيْرِ مَعَ حُكْمِنَا عَلَيْهِمَا بِالْقُصُورِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالتَّعَدِّي تَوَقُّفُ اتِّصَافِ الْمَوْصُوفِ بِهِ عَلَى وُصُولِ الْأَثَرِ لِلْغَيْرِ، وَالْقَاصِرَةُ مَا يَصِحُّ اتِّصَافُ مَوْصُوفِهِ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَدَّ أَثَرُهُ لِلْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَدَّى نَحْوُ الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوَصْفُ بِهِمَا وَلَوْ لَمْ يَتَعَدَّ أَثَرُهُمَا لِلْغَيْرِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ يَظْهَرُ بِنَحْوِ السُّؤَالِ مَثَلًا، وَالشَّجَاعَةُ بِنَحْوِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْحُرُوبِ.
وَالْحَمْدُ يَتَوَقَّفُ عَلَى خَمْسَةِ أُمُورٍ: مَحْمُودٍ بِهِ وَمَحْمُودٍ عَلَيْهِ وَحَامِدٍ وَمَحْمُودٍ وَمَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالْمَحْمُودِيَّةِ.
فَالْمَحْمُودِيَّةُ صِفَةٌ تُظْهِرُ اتِّصَافَ شَيْءٍ بِهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ شَرْعًا عِنْدَ صَاحِبِ الْعَقْلِ السَّلِيمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْمُودِيَّةِ بِهِ كَوْنُهُ اخْتِيَارِيًّا، فَلَوْ وَصَفَهُ بِالْحَسَنِ الذَّاتِيِّ مَعَ بَقِيَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فِي الْحَمْدِ كَانَ حَمْدًا وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَا كَانَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ بِإِزَائِهِ وَمُقَابَلَتِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا وَأَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا وَلَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى صِفَاتِهِ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْحَامِدُ فَهُوَ مَنْ يَتَحَقَّقُ الْحَمْدُ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا مُخْتَارًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الْخَامِسُ فَهُوَ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالْمَحْمُودِيَّةِ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا فَهُوَ فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا، وَالشُّكْرُ لُغَةً هُوَ الْحَمْدُ اصْطِلَاحًا، وَأَمَّا الشُّكْرُ اصْطِلَاحًا فَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَغَيْرِهِمَا إلَى مَا خُلِقَ لَهُ وَأَعْطَاهُ لِأَجْلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ السَّعْدِ فِي الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ شُمُولُهُ النِّعْمَةَ الْوَاصِلَةَ لِلشَّاكِرِ وَغَيْرِهِ، وَكَلَامُ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ تَقْيِيدُهَا بِوَصْلِهَا لِلشَّاكِرِ، وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ، وَاصْطِلَاحًا اخْتِصَاصُ الْمَمْدُوحِ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ أَوْ الْفَوَاضِلِ، فَبَيْنَ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِهِمَا بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَانْفِرَادِ الشُّكْرِ الْمَذْكُورِ بِصِدْقِهِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ أَخَصُّ فَيُحْلَمُ أَعَمُّ، وَالشُّكْرُ بِعَكْسِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ أَيْضًا لِمُسَاوَاةِ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ لِلشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّكْرِ الْعُرْفِيِّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلِقٌ لِشُمُولٍ فَيُحْلَمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ وَاخْتِصَاصُ مُتَعَلِّقِ الشُّكْرِ بِهِ تَعَالَى، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْحِ اللُّغَوِيِّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ أَيْضًا لِصِدْقِ الْحَمْدِ بِالِاخْتِيَارِيِّ فَقَطْ وَصِدْقِ الْمَدْحِ بِالِاخْتِيَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْحِ الْعُرْفِيِّ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَبَيْنَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 10
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست