اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 88
-24 - يسن بعد الصلاة قراءة أذكار واردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأذكار: ما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) [1] .
وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدُّثور من الأموال بالدرجات العُلا والنعيم والمقيم: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال، يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون. قال: (ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به، أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلا من عمل مثله؟ تسبحون وتَحْمدون وتكبرون خلف كل صلاته ثلاثاً وثلاثين) [2] .
ولا ينافي أمره صلى الله عليه وسلم المسلمين بالأذكار في دبر كل صلاة، الاشتغال بالسنة أولاً ثم بالأذكار، ولو سبح عِقب السنة لكان في دبر الصلاة.
ويكره القعود عقب كل فريضة بعدها سنة مؤكدة حتى يؤدي السنة ثم يشتغل بالأذكار، إلا أنه يستحب الفصل بينهما بمقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، ثم يقوم إلى السنة، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم، لم يقعد. إلا بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام. تباركت يا ذا الجلال والإكرام) [3] . فلا ينبغي للمصلي أن يزيد عليه أو على قدره.
ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه فصل بين الفرض والسنة بالأذكار التي أمر المسلمين بها، إلا في المغرب؛ فكان لا يقوم بعد المغرب حتى يقول وهو ثانٍ رجلَه: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) . وذلك لما روي عن عبد الرحمن بن غنم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتب له بكل واحدة عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكانت حرزاً من كل مكروه، وحرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يحل لذنب يدركه إلا الشرك، فكان أفضل الناس عملاً إلا رجلاً يفضله، يقول أفضل مما قال) [4] . [1] البخاري: ج [1] / كتاب صفة الصلاة باب 71/808. [2] البخاري: ج [1] / كتاب صفة الصلاة باب 71/807. [3] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 26/136. [4] مسند الإمام أحمد: ج [4] / ص 227.
-14 - الرفع من السجود، والاعتدال فيه بالاطمئنان. والرفع بمعنى الانتقال فرض، والاطمئنان في القعود واجب، وإتمام الرفع إلى القعود هو السنة.
-15 - افتراش الرجل رجله اليسرى ونصبه اليمنى وتوجيه أصابعها نحو القبلة، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: "من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى" [1] .
أما المرأة فتتورَّك، وذلك بأن تجلس على إليتها وتضع الفخذ على الفخذ وتخرج رجلها اليسرى من تحت وركها الأيمن، لأنه أستر لها. [1] النسائي: ج [2] / ص 236.
-16 - وضع اليدين على الفخذين فيما بين السجدتين وعند التشهد، بأن توضع اليدان مبسوطتين منشورتين والأصابع نحو القبلة. لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) [1] . [1] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب 186/987.
-17 - عقد أصابع اليد اليمنى عند الإشارة بالمسبحّة، للحديث المتقدم، بأن يرفع إصبعه السبابة ويحنيها قليلاً ليؤكد نفي الألوهية عن غير الله عند قوله: "لا إله إلا الله"، ويضعها عند الإثبات أي إثبات الألوهية له وحده. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يحرك الحصى بيده وهو في الصلاة فلما انصرف قال له عبد الله لا تحرك الحصى وأنت في الصلاة فإن ذلك من الشيطان ولكن اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال وكيف كان يصنع قال: (فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأُصبْعه التي تلي الإبهام في القبلة ورمى ببصره إليها أو نحوها ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) [1] . [1] النسائي: ج [2] / ص 237.
-18 - يسن الإسرار بقراءة التشهد.
-19 - قراءة الفاتحة في الركعتين الأُخريين من الفريضة، لحديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة. ويسمعنا الآية أحياناً. ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب) [1] . [1] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 34/155.
-20 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير، وصيغته كما وردت في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن سأله عن ذلك: (قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) [1] .
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في العمر مرة، وهي واجب كلما ذكر اسمه لوجود سبب الوجوب. [1] حاشية الإمام السندي بذيل سنن النسائي: ج [3] / ص 45.
-21 - الدعاء بالمأثور بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لما روي عن نضلة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد بما شاء) [1] ، وعن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد أن ذكر صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم ليتخير من الدعاء بعدُ أعجبه إليه يدعو به) [2] .
ويشترط أن يكون الدعاء بالمأثور أو من ألفاظ القرآن الكريم، لما روي عن معاوية بن حكم السُلَّمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) [3] .
ومن الأدعية الواردة في القرآن: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [4] ، {ربنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} [5] .
ومن المأثورات من السنة: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء. كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: (قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم. ونعوذ بك من عذاب القبر. ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال. ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات) [6] .
وعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم) [7] . [1] الترمذي: ج [5] / كتاب الدعوات باب 65/3477. [2] النسائي: ج [3] / ص 50. [3] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب [7]/33. [4] البقرة: 201. [5] آل عمران: [8]. [6] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 25/134. [7] النسائي: ج [3] / ص 54.
-23 - النية في السلام، بأن ينوي الإمام السلام على المقتدين به ممن هم عن يمينه ويساره والملائكة والإنس والجن والحَفَظة، أما المقتدي فينوي بالتسليمتين السلام على إمامه والقوم والحفظة وصالح الجن، لحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلّم بعضنا على بعض) [1] . وأما المنفرد فينوي السلام على الملائكة فقط.
ومن سنن السلام:
أ - خفض الصوت في التسليمة الثانية والجهر بالأولى.
ب - مقارنة سلام المقتدي لسلام الإمام، وعند الصاحبين يسن أن يسلم المقتدي بعد انتهاء سلام الإمام.
جـ - البداءة باليمين.
د - انتظار المسبوق فراغ الإمام من التسليمتين حتى يعلم أنه لا سهو عليه ثم يقوم لقضاء ما فاته. [1] ابن ماجه: ج [1] / كتاب إقامة الصلاة باب 30/922.
-3 - قراءة دعاء الثناء أو الاستفتاح، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدّك، ولا إله غيرك) [1] ، ولا يقول "وجلّ ثناؤك" إلا في صلاة الجنازة.
أما دعاء التوجه فهو غير وارد عندنا، ولا مانع من الجمع بين الثناء والتوجّه في النافلة.
ولا يقرأ دعاء المقتدي دعاء الثناء إذا بدأ الإمام بالفاتحة في الصلاة الجهرية، لأن إنصاته واستماعه للفاتحة واجب وقراءة الدعاء سنة. أما في الصلاة السرية فيقرأه. [1] الترمذي: ج [2] / كتاب الصلاة باب 179/243.
-13 - وضع الركبتين ابتداء على الأرض ثم اليدين ثم الوجه عند النزول للسجود، ويسن عكسه عند القيام من السجود، أي يرفع وجهه أولاً ثم يديه ثم ركبتيه، إذا لم يكن به عذر. بدليل ما روي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) [1] .
ويسن في السجود الأمور التالية:
أ - وضع الوجه بين الكفين، لما روي عن وائل بن حجر رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لما سجد، سجد بين كفيه) [2] ، وعن أبي حميد رضي الله عنه قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه قال: (ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه) [3] . وبه قال الشافعي رضي الله عنه، وقال بعض محققي الأحناف بالجمع بين الوضعين مرة ومرة.
ب - توجيه الأصابع نحو القبلة، وذلك بضمّ أصابع اليدين ونشرها وبسطها مستقبلاً بها القبلة، ونشر أصابع الرجلين مستقبلاً بأطرافها ورؤوسها القبلة. لما روي في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: (إذا سجد وضع يديه غير مفترش [4] ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة) [5] .
جـ - التخوية للرجال:
والتخوية: هي التفريق بين الركبتين ومجافاة المرفقين عن الجنبين ورفع البطن عن الفخذين، ودليل ذلك ما روي عن ميمونة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سجد لو شاءت بَهْمة أن تمر بين يديه لمرّت) [6] ، وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا سجد يُجَنِّحُ [7] في سجوده حتى يُرى وضَح إبطيه) [8] . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعتدلوا في السجود ولا يبسِط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب) [9] .
د - التطامن للنساء، وهو الانضمام. ويتحقق بلصق البطن بالفخذين وضمّ الضَّبْعَيْن [10] ، ذلك لأنه أستر لهن وأحوط، ولما روي عن يزيد بن أبي حسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على امرأتين تصليان فقال: (إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل) [11] .
هـ - التسبيح في السجود، وقد ذُكرت أدلته في الركوع. [1] الترمذي: ج [2] / كتاب الصلاة باب 199/268. [2] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 15/54. [3] البيهقي: ج [2] / ص 102. [4] الافتراش: بَسْط الذراعين في السجود. [5] البخاري: ج [1] / كتاب صفة الصلاة باب 61/794. [6] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 46/237، والبهمة: ولد الضأن ذكراً كان أو أنثى. [7] التّجنح والاجتناح: أن يرفع المصلي ساعديه في السجود عن الأرض ولا يفترشهما، ويجافيهما عن جانبيه ويعتمد على كفّيه فيصيران له مثل جَناحي الطائر. [8] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 46/236. ووضح إبطيه إي بياضهما. [9] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 46/233. [10] الضَّبْع: بسكون الباء: ما بين الإبط إلى نصف العَضد من أعلاه. [11] البيهقي: ج [2] / ص 223.
-22 - الالتفات يميناً ثم يساراً بالتسليمتين، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله متى يرى بياض خده الأيمن. وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر) [1] ، ولا ينقص من صيغة السلام وإلا أساء لتركه السنة. ولا يقول: وبركاته لأنها بدعة. [1] النسائي: ج [3] / ص 64.
-11 - التكبير عند الركوع وعند كل رفع وخفض، إلا الرفع من الركوع فإنه يسّمع ولا يكبر، وذلك لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبّر في كلّ خفضٍ ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر) [1] . [1] الترمذي: ج [2] / كتاب الصلاة باب 188/253.
-10 - تطويل الركعة الأولى عن الثانية وخاصة في صلاة الفجر، وذلك لما روي عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيطيل في الركعة الأولى من الظهر ويقصر في الثانية. وكذلك في الصبح) [1] . ويقدر بالثلثين في الأولى والثلث في الثانية، وإن كثر التفاوت فلا بأس.
ويكره تطويل الثانية على الأولى، ولا عبرة للزيادة والنقصان دون ثلاث آيات لعدم إمكان الاحتراز عنه. [1] ابن ماجة: ج [1] / كتاب إقامة الصلاة باب [5]/819.
-8 - تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع لأنه أقرب إلى الخشوع، والتراوح أفضل من نصب القدمين، وهو أن يعتمد على قدم مرة وعلى الأخرى مرة أخرى لأنه أيسر لطول القيام.
-9 - أن تكون السورة المضمومة إلى الفاتحة من طوال المفصَّل [1] في الفجر والظهر، ومن أوساطه [2] في العصر والعشاء، ومن قصاره [3] في المغرب. بدليل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان لرجل كان أميراً على المدينة قال سليمان وصليت خلفه فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين ويخفف العصر، ويقرأ في الركعتين الأوليين من المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في الركعتين الأوليين من العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل) [4] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة ألم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان) [5] .
ومن هنا تُقدر القراءة بالفجر ما بين أربعين إلى مائة آية، ونحو (15 - 20) آية في العصر والعشاء، وخمس آيات في كل ركعة من ركعات المغرب.
ويلاحظ ما يلي:
أ - مراعاة التوفيق بين هذه السنة وحال المصلين ما أمكن كي لا يشق عليهم.
ب - عدم التزام سور بعينها خشية اعتقاد الجَهلة فرضيتها.
جـ - مراعاة التخفيف في حالات السفر والضرورات. ودليل ذلك ما روي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان. مما يطيل بنا. فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشدّ مما غضب يومئذ. فقال: (يا أيها الناس إن منكم مُنَفِّرين. فأيكم أمَّ الناس فليوجز. فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة) [6] .
د - يجوز تكرار السورة في الركعتين من الصلاة، لما روي عن معاذ بن عبد الله الجهني أن رجلاً من جهينة أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم (يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض. في الركعتين كلتيهما) [7] . ولكن يكره تكرار السورة إن حفظ غيرها والكراهة تنزيهية. [1] من سورة الحجرات إلى البروج. [2] أواسط المفصل: من البروج إلى البينة. [3] قصار المفصل: من البينة إلى آخر القرآن. [4] البيهقي: ج [2] / ص 388. [5] ابن ماجة: ج [1] / كتاب إقامة الصلاة باب [6]/823. [6] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 37/182. [7] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب 134/816.
-7 - التحميد والتسميع: وهو سنة للمنفرد والمقتدي والإمام عند أبي يوسف ومحمد، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمد. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد. فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) [1] .
ويجهر الإمام بالتكبير والتسميع ويُسِرّ بالتحميد، أما المنفرد فيسرّ بهما، ويأتي المقتدي بالتحميد فقط.
أما المبلّغ فإن لم يكن له ضرورة فبدعة منكرة، وإن كان له ضرورة لكبر المسجد أو ضعف صوت الإمام فمستحب ليعلم المصلّين بانتقالات الإمام. ويجب أن يجمع الإمام والمبلغ في تكبيرة الإحرام نية افتتاح الصلاة مع نية الإعلام ولا يقتصرا على نية الإعلام، وإلا فلا صلاة لهما - إذا قصدا الإعلام فقط - ولا لمن يتبعهما من القوم لأنه اقتداء بمن لم يدخل في الصلاة. [1] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 18/71.
-6 - التأمين: وهو قول: آمين بعد قراءة الفاتحة، ومعناه: اللهم استجب. وهو سنة للإمام والمقتدي والمنفرد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه) [1] .
ويكون التأمين سراً مطلقاً سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "أربع يخفيهن الإمام: التعوذ والتسمية والتأمين والتحميد".
ويُسن للإمام الجهر بالتكبير والتسميع والسلام. [1] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 18/72.
السنة: هي الأقوال والأفعال التي يثاب فاعلها ولا يعاقب على تركها بل يعاتب ويلام. ولا يُلزم تاركها بسجود السهو.
وتصح الصلاة إن تُركت، إما إن تعمد تركها ففيها كراهة.
وسنن الصلاة هي:
-1 - رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين للرجل، لما روي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (قدمت المدينة فقلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبّر ورفع يديه حتى رأيت إبهاميه قريباً من أذنيه) [1] . وعن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود) [2] . أما المرأة فترفع يديها حذاء منكبيها فقط لأنه أستر لها.
- والأصح أن يرفع يديه أولاً ثم يكبر.
- ولا يسن الرفع [3] إلا في تكبيرة الافتتاح، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة) [4] .
ولا ترفع اليدان عند الركوع، ولا في الرفع منه، ولا في تكبيرات الجنازة غير الأولى منها، لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خَيْلٍ شُمس [5] ؟ اسكنوا في الصلاة) [6] .
- ويسن في رفع اليدين: نشر الأصابع، فلا يفرق بينها ولا يضمها بل يتركها على حالها منشورة.
- وأن يستقبل المصلي القبلة ببطون يديه.
- وأن يعدل عند ابتداء التحريمة وانتهائها من غير طأطأة رأس.
- وأن يكون رفع اليدين والإحرام من المقتدي مقارناً لإحرام الإمام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا..) [7] على أن لا يسبق انتهاء تكبير المقتدي تكبير الإمام. وعند الصاحبين: الفاء للتعقيب ويكون إحرام المقتدي بعد إحرام الإمام. [1] النسائي: ج [2] / ص 211. [2] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب 119/749. [3] ترفع الأيدي في المواضع التالية: افتتاح الصلاة، التكبير للقنوت في الوتر، تكبيرات العيدين، عند استلام الحجر، عند الصفا والمروة، بجُمع مزدلفة وعرفات للدعاء، عند المقامين، عند الجمرتين. [4] الترمذي: ج [1] / كتاب الصلاة باب 191/257. [5] الخَيل الشُّمْس: جمع شَمُوس: وهو النَّفُور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحِدَّته. [6] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 27/119. [7] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 20/89.
-4 - التعوذ قبل التلاوة: وهو سنة للمصلي سواء كان إماماً أو منفرداً، لقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [1] ، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبَّر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدّك ولا إله غيرك. ثم يقول: الله أكبر كبيراً. ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونَفْثه) [2] . أما المقتدي فلا يتعوذ عند الإمام أبي حنيفة ومحمد، لأنه للقراءة والمقتدي لا يقرأ خلف الإمام، وعند أبي يوسف يتعوذ لدفع وساوس الشيطان؛ والتعوذ عنده تبعاً للصلاة فلا يسن للمصلي إلا عند الركعة الأولى. [1] النحل: 98. [2] الترمذي: ج [2] / كتاب الصلاة باب 179/242.
-2 - وضع اليد اليمنى فوق اليسرى، والرجل يضع يديه تحت السرّة ويجعل باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى محلقاً بالخنصر والإبهام على الرسغ ويبسط أصابعه الثلاث على ذراعه، لما روي عن علي رضي الله عنه قال: "من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة" [1] . وتضع المرأة الكف على الكف (من غير تحليق) على صدرها. [1] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب 12/756.
-5 - البسملة سراً سواء كانت الصلاة سرية أم جهرية: وهي سنة في الصلاة أول الفاتحة وأول كل سورة في القرآن. والبسملة آية من القرآن وليست جزءاً من الفاتحة بل نزلت للفصل بين السور، فعن أنس رضي الله عنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) [1] . [1] النسائي: ج [1] / ص 135.
-12 - سنن الركوع: يسن في الركوع الأمور التالية:
أ - أخذ الركبتين باليدين والتفريج بين الأصابع ورفع اليدين عن الجنبين، أما المرأة فلا تفرج لأن حالها مبني على الستر، ثبت هذا في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أنس إذا ركعت فأمكن كفيك من ركبتيك، وفرّج بين أصابعك، وارفع مرفقيك عن جنبيك) [1] .
ب - بسط الظهر، لما روي عن البراء رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع بسط ظهره، وإذا سجد وجَّه أصابعه قِبَل القبلة) [2] ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى فلو صُبَّ على ظهره الماء لاستقر) [3] .
جـ - تسوية الرأس بالعجز أثناء الركوع، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبه [4] ولكن بين ذلك) [5] .
د - نصب الساقين لأنه متوارث. وإحناؤهما شبه القوس مكروه.
هـ - التسبيح في الركوع، بأن يقول: سبحان ربي العظيم، لما روي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: لما نزلت: {فسبح باسم ربك العظيم} قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في ركوعكم) . فلما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى} قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في سجودكم) [6] .
وأدنى التسبيح ثلاث مرات، والأفضل أن يزيد موتراً، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) [7] . ولا يأتي في الركوع والسجود بغير التسبيح، أما الدعاء في التهجد.
و القيام من الركوع مطمئناً، لما روي عن ثابت قال: "كان أنس ينعت لنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكان يصلي وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نسي" [8] .
ز - التسميع والتحميد بعد الركوع. [1] مجمع الزوائد: ج 1 / ص 271. [2] البيهقي: ج 2 / ص 113. [3] مجمع الزوائد: ج 2 / ص 123. [4] لم يشخص رأسه ولم يصوبه: الإشخاص هو الرفع. ولم يصوّبه: أي يخفضه خفضاً بليغاً، بل يعدل فيه بين الإشخاص والتصويب. [5] مسلم: ج 1 / كتاب الصلاة باب 46/240. [6] ابن ماجة: ج 1 / كتاب إقامة الصلاة باب 20/887. [7] أبو داود: ج 1 / كتاب الصلاة باب 154/886. [8] البخاري: ج 1 / كتاب صفة الصلاة باب 43/767.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 88