responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 71
حكمة تشريعها:
الصلاة مناجاة وخشوع ورياضة روحية وتفريغ من هموم الدنيا، وهي صلة بين الخالق والمخلوق تشعر بالقوة والسّند الروحي ووجهة الالتجاء، وهي معراج للروح ودرس الحياة اليومي العملي المتكرر، وهي تطهير للروح من أدران الذنوب وعصمة من السوء وإعمار للقلب، وهي شكر الله على نعم لا تعد ولا تحصى.
ولم تَخْلُ عنها شريعة مُرْسَل. ومما اختص به صلى الله عليه وسلم مجموع الصلوات الخمس إذ لم تجتمع لأحد من الأنبياء عليهم السلام، وخُصَّ بالأذان والإقامة وافتتاح الصلاة بالتكبير والتأمين وبتحريم الكلام فيها.
بدء فرضيتها:
فرضت الصلاة بمكة، وكانت ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين قبل غروبها، وذلك منذ بدأت الرسالة. ثبت ذلك فيما روي أن جبريل عليه السلام بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة وأطيب رائحة. فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أنت رسولي إلى الجن والإنس، وادعهم إلى قول لا إله إلا الله. ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضأ منها جبريل، ثم أمره أن يتوضأ، وقام جبريل يصلي وأمره أن يصلي معه [1] .
ثم فرضت الصلوات الخمس في حادثة الإسراء والمعراج، وذلك في السابع عشر من رمضان قبل الهجرة بسنة ونصف، وقيل: في السابع والعشرين من رجب. وفرضت بالأصل ركعتين إلا المغرب، ثم أقرّت بالسفر وزيدت في الحضر إلا الفجر.

[1] حاشية الطحطاوي على الدر المختار ج [1] / ص 169.
وقت العشاء والوتر:
يبدأ وقتهما من غياب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر الصادق. ويستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل الأول إذا ضمن قيامه، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه) [1] . ويكره تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد نصف الليل.
والأحوط بالنسبة للوتر أن يصليه قبل أن ينام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاث أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام) [2] .

[1] الترمذي: ج [1] / كتاب الصلاة باب 124/167.
[2] البخاري: ج [2] / كتاب الصوم باب 59/1880.
قضاء الفوائت:
الأداء هو تسليم عين الواجب في وقته، ويكون كاملاً بصلاة الجماعة وقاصراً بصلاة المنفرد.
والقضاء: هو تسليم مثل الواجب بعد خروج الوقت.
وتأخير الصلاة عن وقتها كبيرة لا تزول بالقضاء فقط، وإنما يسقط إثم الترك بالقضاء، أما إثم التأخير فلابدّ فيه من التوبة النصوح أو الحج.
وأما الإعادة: فهي فعل مثل الواجب في الوقت لخلل غير الفساد، فكل صلاة أديت مع الكراهة التحريمية تعاد وجوباً في الوقت وندباً بعد خروجه.
ولا تقضى النوافل إلا سنة الفجر فتقضى تبعاً مع الفرض، أما لو أراد قضاء الفجر بعد الزوال فلا تقضى السنة. وتقضى سنة الظهر القبلية بعد الفرض إن خاف فوت الجماعة أو الوقت بشرط بقاء الوقت بعد أداء الفرض، فإذا خرج الوقت فلا قضاء للسنة القبلية في هذه الحالة.
كيفية القضاء:
الأصل في القضاء أن الترتيب بين الفوائت وفرض الوقت وكذا الترتيب بين نفس الفوائت القليلة مستحق أي لازم. وذلك لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذَّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء" [1] ، وعن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وصلوا كما رأيتموني أصلي) [2] .
ويسقط الترتيب بإحدى ثلاث:
-1 - ضيق الوقت.
-2 - النسيان، فلو تذكرها بعد الصلاة الوقتية يقضي ما فاته ولا يعيد، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) [3] .
-3 - إذا صارت الفوائت ستاً سقط الترتيب.
ولو صلى المكلف فرضاً ذاكراً الفائتة فسد فرضه فساداً موقوفاً حتى يصلي خمس صلوات متذكراً للمتروكة، فإذا بقيت في ذمته حتى خروج خمس صلوات صحت جميعاً، وإن قضاها قبل مضي خمس صلوات فسدت جميعاً.
وإذا كثرت الفوائت فلا بد من التعيين كأن يقول: نويت قضاء آخر ظهر لم أصلِّه أو قضاء أو ظهر مما عليّ.

[1] الترمذي: ج [1] / كتاب الصلاة باب 132/179.
[2] البخاري: ج [1] / كتاب الأذان باب 18/605.
[3] ابن ماجة: ج [1] / كتاب الطلاق باب 16/2045.
الجمع بين الصلاتين:
لا يصح عندنا الجمع بين صلاتين إلا في موضعين:
-1 - يصح الجمع بين الظهر والعصر في مسجد نَمِرة يوم عرفة جمع تقديم، فيصلي الحاجّ الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان واحد وإقامتين ولا يفصل بينهما بنافلة، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس، ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً" [1] . بشرط أن تكون الصلاة مع الإمام الأعظم أو نائبه، وأن تكون صلاة الظهر صحيحة؛ فلو فسدت صلاة الظهر لم يصح الجمع. أما عند الصاحبين فلا مانع من الجمع ولو صلى الحاج منفرداً في رحله.
-2 - يصح للحاج أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة بأذان واحد وإقامة واحدة، ولا تجزئ صلاة المغرب بطريق مزدلفة، لما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أفاض من عرفة مال إلى الشعب فقضى حاجته فتوضأ، فقلت يا رسول الله أتصلي؟ فقال: (الصلاة أمامك) [2] . لكن إن فعل ولم يعده حتى طلع الفجر صحّ.
أما في غير الحج فلا يجوز الجمع مطلقاً لا في السفر ولا في الحضر ولا لعذر، والدليل على ذلك:
أ - إن الصلاة التي قدمت عن وقتها لم تجب أصلاً قبل دخول الوقت، ولأن تأخير الوقتية عن وقتها لا يحل أصلاً.
ب - إن جميع الأدلة الواردة في الجمع تُحمل على الجمع الصوري، وهو تأخير صلاة الظهر حتى قبل دخول وقت العصر بما يسع الصلاة ثم صلاة العصر في أول وقتها. والدليل على هذا التأويل: ما روى ابن حِبَّان عن نافع قال: خرجت مع ابن عمر رضي الله عنهما في سفر، وغابت الشمس فلما أبطأ قلت: الصلاة يرحمك الله. فالتفت إليّ ومضى حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب، ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا، ثم أقبل علينا فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا".
جـ - لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة لوقتها إلا بجمع وعرفات) [3] .

[1] النسائي: ج [2] / ص 15.
[2] البخاري: ج [2] / كتاب الحج باب 94/1584.
[3] النسائي: ج [5] / كتاب المناسك ص 254.
الأوقات التي يكره فيها التنفل:
يكره التنفل في الأوقات التالية:
-1 - في الأوقات التي تحرم فيها الفرائض.
-2 - بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس إلا سنة الصبح، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليبلّغ شاهدكم غائبكم لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر) [1] ليكون جميع الوقت مشغولاً بالفرض.
-3 - يكره تحريماً التنفل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) [2] .
-4 - بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس، للحديث المتقدم. وينعقد في هذين الوقتين، أي ما بين الفجر والشمس وما بين صلاة العصر إلى الغروب، قضاء الفوائت والجنازة وسجود التلاوة من غير كراهة. إلا النفل والواجب لغيره، فإنه ينعقد مع الكراهة، كالمنذور وركعتي الطواف وقضاء نفل أفسده.
-5 - قبل صلاة المغرب حتى لا يؤدي إلى تأخير صلاة المغرب، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب) [3] .
-6 - عند خروج الخطيب وقيامه للخطبة في الجمعة والعيدين وغيرها.
-7 - عند إقامة الصلاة للفرائض، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) [4] ، إلا إذا دخل المسجد عند الإقامة لصلاة الفجر فإنه يصلي ركعتي الفجر ثم يتابع الإمام. أما إن خشي فوت الجماعة دخل مع الإمام وترك السنة.
-8 - يكره التنفل قبل صلاة العيد في البيت أو في المسجد سواء، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو أفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها" [5] .
-9 - عند ضيق الوقت خوفاً من تفويت الفرض أو تأخيره.
-10 - بين صلاتي الجَمْع في عرفة ومزدلفة، لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة ولم يسبح بينهما وإقامتين، وصلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما) [6] .

[1] البيهقي: ج [2] / ص 465.
[2] مسلم: ج [1] / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 51/288.
[3] البيهقي: ج [2] / ص 474.
[4] مسلم: ج [1] / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 9/64.
[5] مسلم: ج [2] / كتاب صلاة العيدين باب [2]/13.
[6] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 57/1906.
حكم قضاء الفوائت:
-1 - واجب عند جمهور الفقهاء [1] ، وجميع أوقات العمر وقت للقضاء عدا أوقات النهي الثلاثة.
-2 - يجب القضاء على الفور عند الإمام أبي يوسف، وعلى التراخي عند الإمام محمد وقال الإمام أبو حنيفة: يجب القضاء على الفور، إنما يجوز التأخير من أجل السعي على العيال إن كثرت الفوائت.
ودليل وجوب قضاء الفوائت، ما روي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: أقم الصلاة لذكري) [2] .

[1] قال الإمام أحمد: لا يجب القضاء لأن المؤمن بتركه الصلاة عامداً بغير عذر صار مرتداً، والمرتد لا يؤمر بقضاء ما فاته إذا تاب.
[2] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 55/316.
الأوقات التي تحرم فيها صلاة الفرائض:
اتفق علماؤنا على أن ثلاثة أوقات ورد النهي عن الصلاة فيها وهي:
-1 - وقت شروق الشمس حتى ترتفع قدر رمح أو رمحين.
-2 - وقت الاستواء حتى الزوال.
-3 - وقت الاصفرار حتى الغروب.
وقد ورد هذا النهي في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن. أو أن نَقْبُرَ فيهن موتانا: حين تطْلَع الشمس بازغة حتى ترتفع) [1] .
ولا يصح في هذه الأوقات شيء من الصلاة - سواء في مكة أو غيرها - ولو قضاء والواجبات [2] التي لزمت في الذمة قبل دخولها كالوتر والنذر المطلق وركعتي الطواف وما أفسده من نفل وشرع فيه في غير هذه الأوقات وسجدة آية تليت في غيرها. وكل صلاة شرع فيها ثم تعرضت للشروق أو الاستواء أو الغروب فَسَدُتْ للنهي الوارد في الحديث. وعند الإمام أبي حنيفة والإمام محمد لو أشرقت الشمس وهو في صلاة الفجر بطلت صلاته، وصحت مع الكراهة التحريمية عند الإمام أبي يوسف [3] .
ولا يصح قضاء الفوائت في هذه الأوقات لأنها وجبت كاملة فلا تؤدى ناقصة في الوقت المكروه.
لكن تصح في هذه الأوقات مع الكراهة التحريمية صلاة النفل [4] والنذر المقيد بها وقضاء النفل الذي أفسده فيها وصلاة جنازة حَضَرت وسجدة تلاوة حصلت في هذه الأوقات. والأفضل إذا بدأ بتطوع في هذه الأوقات أن يقطعه ويصليه في غير الوقت المكروه (أي الأوقات التي تحرم فيها الفرائض والتي يكره فيها التنفل) .
كما يصح أداء عصر اليوم الذي وجب فيه عند الغروب مع الكراهة للتأخير المنهي عنه لا لذات الوقت. وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك. ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك) [5] .
والاشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأوقات أفضل من قراءة القرآن، لأن القراءة ركن أساسي في الصلاة.

[1] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة المسافرين وقصرها باب 51/293، وتَضَيَّف: أي تميل.
[2] الواجب قسمان: إما لعينه وهو يكون بإيجاب الله تعالى أو لغيره وهو ما يكون بإيجاب العبد. فالأول: الوتر وصلاة العيدين وسجدة التلاوة. والثاني: سجود السهو وركعتا الطواف وقضاء نفل أفسده والمنذور.
[3] قال الإمام أبو يوسف: إننا لا ننهي كسالى العوام عن الصلاة وقت الشروق وحتى لا يتركوها مطلقاً. وإن صحت الصلاة على قول مجتهد مثل الشافعي، فهي خير من الترك.
[4] إلا نفل يوم الجمعة فلا يكره حال الاستواء على قول الإمام أبي يوسف.
[5] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 30/165.
تعقيب: إن البلاد التي يتصل فيها شروق الشمس بغروبها، بحيث لا يفصل بينهما وقت لصلاة العشاء والوتر، لا تجب في حق أهل هذه البلاد صلاة العشاء والوتر لعدم وجود السبب (كما في بلاد البلغار مثلاً) على أحد القولين. والقول الثاني: إن فاقد وقتهما مكلف بهما فيقدر لهما ولا ينوي القضاء، كما في أيام الدجال تُقدر الأوقات لوجود النص في ذلك.
وقت الفجر:
يبدأ وقته من طلوع الفجر الصادق ويستمر حتى طلوع الشمس، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال: (وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول) [1] .
ويستحب تأخير الصلاة قليلاً عن وقت الأذان حتى تسفر الأرض، لما روي عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أسْفِروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) [2] ، ليسهل على المكلف تحصيل ما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة، تامة، تامة) [3] .
ويستحب تعجيل الفجر في الغَلَس [4] للحاجّ وذلك لواجب الوقوف بعدُ في المشعر الحرام. والغلس أفضل دائماً في حق النساء، والانتظار في غير الفجر إلى فراغ الرجال من الجماعة.
ويحرم تأخير الفجر إلى ما لا يسعه من الوقت.

[1] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 31/174.
[2] الترمذي: ج [1] / كتاب الصلاة باب 117/154، ومعنى أَسْفِروا بالفجر: أي صلوا الفجر بعد ما يتبين الفجر ويظهر ظهوراً لا ارتياب فيه، وكلُّ من نظر إليه عرف أنه الفجر الصادق.
[3] الترمذي: ج [2] / كتاب الصلاة باب 412/586.
[4] الغَلَس: ظُلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
وقت المغرب:
يبدأ وقته من غروب الشمس وينتهي بمغيب الشفق، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) [1] .
ويستحب تعجيل المغرب بعد الغروب باتفاق المذاهب، لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال أمتي بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم) [2] .
ويجوز تأخيرها بمقدار قليل لعذر كسفر أو مرض أو حضور مائدة.

[1] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد باب 31/173.
[2] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب [6]/418.
وقت العصر:
يبدأ من بلوغ ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس. ويستحب تأخيره صيفاً وشتاءً، لما روى علي بن شيبان رضي الله عنه قال: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية) [1] .
ويكره تحريماً تأخير العصر حتى تصفرّ الشمس أو يتغير لونها، لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس) [2] ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان أو على قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) [3] . ولا يباح تأخير العصر لمرض أو سفر إلى ما بعد الاصفرار.
ويستحب تعجيل العصر يوم الغيم، لحديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال: (بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله) [4] .

[1] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب [5]/408.
[2] مسلم: ج [1] / كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 31/173.
[3] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب [5]/413.
[4] ابن ماجة: ج [1] / كتاب الصلاة باب 9/694.
وقت الظهر:
يبدأ وقته من زوال الشمس لقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [1] أي وقوعها في منتصف السماء، وينتهي وقت الظهر عندما يصير ظل كل شيء مثله مضافاً إليه ظل الاستواء لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم.
والأفضل في الظهر تأخيره حتى تبرد الشمس خاصة في المناطق الحارة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم) [2] .
ويستحب تعجيل الظهر في الشتاء والربيع لعموم الأحاديث الواردة في اسحباب الصلاة في أول وقتها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) [3] ، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجل بالظهر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر) [4] .

[1] الإسراء: 78.
[2] البخاري: ج [1] / كتاب مواقيت الصلاة باب 8/513، والفَيْحُ: سُطُوع الحرِّ وفَوَرانه.
[3] البخاري: ج [1] / كتاب مواقيت الصلاة باب [4]/504.
[4] الترمذي: ج [1] / كتاب الصلاة باب 118/155.
سببها الأصلي:
خطاب الله تعالى الأزليّ، أي سبب وجوب أدائها لأن الموجب للأحكام هو الله تعالى وحده، لكن لما كان إيجابه تعالى غيباً عنا لا نطلع عليه جعل لنا سبحانه وتعالى أسباباً مجازية ظاهرة تيسر علينا وهي الأوقات بدليل تجدد الوجوب بتجديدها.
سببها الظاهري:
الوقت: فتجب في أوله وجوباً موسَّعاً، فلا حرج حتى يضيق الوقت عن الأداء ويتوجَّه الخطاب حتماً ويأثم بالتأخير عنه.
شروط وجوبها:
-1 - الإسلام، لأنه شرط للخطاب بفروع الشريعة.
-2 - البلوغ، إذ لا خطاب لصغير ولكن يؤمر بها الصبي ليعتادها، ويضرب على تركها لعشر، لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) [1] .
-3 - العقل، لانعدام التكليف دونه، لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) [2] .

[1] أبو داود: ج [1] / كتاب الصلاة باب 26/495.
[2] أبو داود: ج [4] / كتاب الحدود باب 16/4403.
دليل فرضية الصلوات الخمس:
ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} [1] .
ومن السنة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) [2] .
وحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل عن الإسلام: (خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل علّي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تَطَّوَّع) [3] .
وقد أجمعت الأمة على فرضية الصلوات الخمس.

[1] الحج: 78.
[2] البخاري: ج [1] / كتاب الإيمان باب [2]/8.
[3] مسلم: ج [1] / كتاب الإيمان باب [2]/8.
- هي لغة: الدعاء، ومنه قوله تعالى: {وصَلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم} [1] أي ادع لهم.
وشرعاً: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.
صفتها: إما فرض في الصلوات الخمس، أو واجبة في الوتر، أو سنة فيما سواهن من الصلوات.

[1] التوبة: 103.
حكم تارك الصلاة:
-1 - إن جحد فرضيتها فهو كافر، له حكم المرتد فيقتل إن أصر.
-2 - إن تركها تهاوناً فهو فاسق يسجن ويُضيَّق عليه حتى يؤديها، وقيل يضرب حتى يسيل منه الدم، وفي بقية المذاهب يقتل.
-3 - أما تارك أداء الصلاة في الوقت آثم.
مواقيت الصلاة:
الوقت: هو السبب الظاهري لوجوب الصلاة، وهو شرط للأداء فلا يصح أداؤها قبل الوقت. قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [1] ، وهو ظرف للصلاة بمعنى أنه يجوز أن يصلي في الوقت الواحد الفرض معه غيره من النوافل أو القضاء. والمواقيت جمع ميقات، والمراد الذي عينه الله لأداء هذه العبادة.
وقد جاء تحديد مواقيت الصلاة في أحاديث منها: ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمَّني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين الفيء [2] مثل الشَّراك [3] ، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وَجَبت الشمس [4] وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غياب الشَّفَق [5] ، ثم صلى الفجر حين بَرَق الفجر وحرم الطعام على الصائم. وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين) [6] .

[1] النساء: 103.
[2] الفيء: الظل.
[3] الشِّراك: أحد سيور النَّعل التي تكون على وجهها.
[4] وَجَبت الشمس: غاب قرصها كلّه.
[5] الشَّفق: البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعندهما هو الحمرة.
[6] الترمذي: ج 1 / كتاب الصلاة باب 113/149.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 71
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست