اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 68
نجاسات معفو عنها:
-1 - يعفى عن رشاش البول كرؤوس الإبر في الثوب والبدن والمكان للضرورة، ولو أصاب الماء لا ينجسه سواء أكان الماء جارياً أو راكداً. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنا لنرجو من الله تعالى أوسع من هذا".
-2 - يعفى عما لا يمكن الاحتراز منه من الغُسَالة عند تغسيل الميت إذا كان على بدنه نجاسة.
-3 - إذا انتشر الدهن المتنجس فزاد على المقدار المعفو عنه لا يضر على أحد قولين.
-4 - يعفى عن طين الشارع، لكن لو مشى حافياً في الشارع فابتلت قدماه لم تجز صلاته لغلبة النجاسة.
-5 - إذا نام على فراش متنجس فعرق، لا يحكم بنجاسته إلا إذا ظهر أثر النجاسة في الثوب وكذا لا ينجس ثوب طاهر جاف إذا لُفَّ بثوب نجس رطب، إلا إذا تسرب أثر النجاسة.
-6 - إذا نشر ثوب رطب على أرض نجسة فلا ينجس، وكذا لو هَّبت ريح من أرض نجسة على ثياب طاهرة لا تَنْجُس. والحاصل: يبقى الثوب الطاهر على أصله ما لم يظهر أثر النجاسة عليه.
كيفية التطهير:
الماء المطلق هو الأصل في إزالة النجاسة ولا تزول النجاسة الحكمية إلا به، أما النجاسات الحقيقية فتزول بالماء ولو كان مستعملاً، وبكل مائع طاهر قالع للنجاسة، كماء الخلّ أو الورد على الأصح.
وتكون كيفية التطهير بالماء على الشكل التالي:
أولاً: النجاسات المرئية:
-1 - تزول بزوال عين النجاسة عن الجسم أو الثوب أو المكان بغسلها ولو مرة واحدة بشرط أن يُصبَّ الماء عليها أو يكون جارياً، أما لو غسلت في إناء فلا بد من ثلاث مرات تعصر في كل مرة، ولا يضر بقاء أثر من لون أو رائحة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: (إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه. فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) [1] . ويطهر الثوب المصبوغ بمتنجس بالغسل حتى يصير الماء صافياً، وقيل يغسل بعد أن يصبح الماء صافياً ثلاث مرات.
-2 - تزول النجاسة عن الجروح والحجامة بمسحها بثلاث خرق رطبات، ويقوم هذا مقام الغسل.
-3 - أما الحصير والسجاد وما لا يمكن عصره فذهب الإمام محمد إلى أنه لا يطهر، وقال الإمام أبو يوسف: يجفف ثلاث مرات بعد الغسل فيطهر. وقيل لو صبّ عليه الماء بشدة يطهر [2] .
-4 - تطهر الأواني الفخارية والخشب القديم بالغسل بالماء ثلاثاً وبانقطاع تقاطره في كل مرة، وقيل يحرق الفخار إن كان جديداً، أما الخشب فيُنْحت.
-5 - تطهر المائعات كالسَّمن والدُّهن والزيت بصبّ الماء عليها ثلاثاً ثم رفعه عنها. أما المائعات الأخرى كنحو العسل والدبس فتطهر بصب الماء عليها ثلاثاً وغليها حتى تعود كما كانت. [1] أبو داود: ج [1] / كتاب الطهارة باب 132/365. [2] وهذا مذهب الإمام الشافعي أيضاً
ثانياً: النجاسات غير المرئية:
يُغسل الثوب إذا كانت النجاسة غير مرئية بالماء ثلاث مرات وجوباً ويعصر الثوب في كل مرة، أما إذا وضع المتنجس في الماء الجاري أو صب عليه ماء كثير وجرى عليه الماء فيطهر بدون عصر ولا تثليث غسل.
أما إذا كانت النجاسة نجاسة كلب فتغسل سبعاً مع التتريب ندباً، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم، إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات. أولاهن بالتراب) [1] ، فحُمل الحديث على الندب وذلك لما روي أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلب يَلِغُ في الإناء. فقال: (يُغْسَل ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يغسل من ولوغه ثلاث مرات" [2] .
وهناك طرق أخرى للتطهير نوضحها فيما يلي:
-1 - اللحس يُطهِّر الفم، والإصبع تَطْهُر بلحسها ثلاث مرات، كما يطهر الثدي بلحسه. والهرة تطهر بلعق جسمها.
-2 - الدلك للخفين والنعل، فيطهر النعل بالدلك والتراب حتى يزول أثر النجاسة ذات الجرم، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وطئ أحدكم بنَعْلِه الأذى فإن التراب له طَهور) [3] بشرط أن لا يكون في النعل نتوء تمنع إزالة النجاسة بالدلك. أما إذا كان كذلك، أو كانت النجاسة مائعة يتشربها النعل، فلا بد من الغسل.
-3 - المسح للمرايا والسيوف والزجاج وكل الأشياء المصقولة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يجاهدون ويمسحون سيوفهم ويصلون فيها.
-4 - الجفاف، تطهر الأرض بجفافها بالشمس والريح، ويطهر تبعاً لها كل ما نبت عليها من شجر أو غيره، وذلك لما روي عن نافع قال: سئل ابن عمر عن الحيطان تكون فيها العذرة وأبوال الناس وروث الدواب فقال: "إذا سالت عليها الأمطار وجففته الرياح فلا بأس بالصلاة فيه". يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم [4] / وعن أبي قلابة قال: "جُفوف الأرض طَهورُها". هذا ويجوز بعدها الصلاة عليها لا التيمم بها، وذلك لاشتراط الطّيب نصّاً في التيمم بقوله تعالى: {فتيمموا صعيداً طيباً} ، ولأن التراب طاهر مطهر وبالجفاف بعد النجاسة يعود طاهراً غير مطهر.
-5 - الفَرْك للمني الجاف على الثوب، ولا يضر بقاء أثره، لما روي عن عائشة رضي الله عنها في المني. قالت: (كنت أفْرُكُه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) [5] ، أما إذا كان طرياً فلا يطهر إلا بالغسل، لما روي عن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً وأغسله إذا كان رطباً) [6] .
-6 - التَّقْوير: يطهر السَّمن الجامد بالتقوير إذا وقعت به نجاسة فتطرح وما حولها. لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت. فقال: (ألقوها وما حولها وكلوه) [7] .
-7 - الاستحالة [8] : كالخمر تطهر إذا تخّللت، والميتة إذا صارت ملحاً، والرَوْث إذا صار رماداً، والزيت إذا تنجس فصُنع صابوناً طَهُر. وبالاستحالة يصبح المسك طاهراً طيّباً، وهو في الأصل دم الغزال يستحيل طيباً فيصبح طاهراً، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطيب الطِّيب المسك) [9] . كما يطهر العنبر والزباد وهو وسخ يجتمع تحت ذَنَب السَّنَّور) بالاستحالة أيضاً. ولا يعتبر التقطير استحالة فبخار الماء النجس نجس.
-8 - التَّمويه: هو إدخال المعدن المسقيّ بالنجس في النار حتى يصير كالجمر ثم يُطفأ بالماء الطاهر ثلاث مرات مع التجفيف.
-9 - النَّدف للصوف والقطن يطهرهما.
-10 - التغوير للبئر، إذا لم يبق للنجاسة أثر، أو النَّزْح بعد إخراج النجاسة منها.
-11 - التفريق للحبوب، كما لو بالت حمرٌ على حبوب تدوسها يفرق بعضه ببَيْع أو هِبة فيَطْهُر الباقي.
-12 - الدباغة: وهي إخراج الرطوبة النجسة من الجِلْد الطاهر بالأصل، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيَّما إهاب دُبغ فقد طَهُر) [10] . فتطهر جميع الجلود التي تحتمل الدبغ إلا جلد الخنزير لنجاسة عينه وجلد الإنسان لكرامته. وتجوز الصلاة على الجلد المدبوغ والوضوء منه سواء أكان الدابغ مسلماً أم كافراً أم امرأة، وسواء أكانت الدباغة حقيقية بالقَرَظ والعفص [11] وقشور الرمان والشبّ [12] والملح، أو دباغة حكمية بالتتريب والتشميس والإلقاء في الهواء. وقميص الحية طاهر بدون دبغ.
-13 - الذَّكاة الشرعية: وهي لغة: الذبح، وشرعاً: تَسْييل الدم النجس، فعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ... ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ... ) [13] . والذكاة تطهر لحم الحيوان المأكول، أما غير المأكول فيطهر جلده بالذبح دون لحمه، والذكاة تطهر الحيوان المذبوح سواء أكان الذابح مسلماً أم كتابياً، ويبقى كل ما لا تحله من الحيوان طاهراً كالريش والمنقار والشعر والحافر والعظم، ما لم يكن به (أي العظم) وَدَك (أي دسم) فهو نجس؛ فإذا زال عنه الدسم طهر.
-14 - النَّحت للخشب الجديد، لأنه يتشرب النجاسة، ويكفي في الخشب القديم الغسل.
-15 - غَسْلُ طرف الثوب يغني عن غسله كله إذا نسي مكان النجاسة.
-16 - النار: كل ما يحرق بالنار يطهر. (والعاصي يطهر في نار جهنم) .
-17 - الغَلْي: يُطهر اللحم المطبوخ بالنجاسة بغليه ثلاث مرات وإراقة المرق، والأصح أنه لا يطهر. وإذا إلى الماء وفيه الدجاجة مع أحشائها تطهر بالغلي ثلاث مرات بعد إخراج النجاسة منها. أما إذا سخنت لإزالة الريش فطهارتها بالغسل من غير غليان.
-18 - التطفيف للحليب والزيت، وكل مائع يضاف له من جنسه طاهر حتى يفيض على الأرض. [1] مسلم: ج [1] / كتاب الطهارة باب 27/91. [2] أخرجه الدارقطني والطحاوي. [3] أبو داود: ج [1] / كتاب الطهارة باب 141/385. [4] مجمع الزوائد: ج [1] / ص 286. [5] مسلم: ج [1] / كتاب الطهارة باب 32/105. [6] الدارقطني: ج [1] / ص 125. [7] البخاري: ج [5] / كتاب الذبائح والصيد باب 34/5220. [8] الاستحالة: انقلاب العين النجسة. [9] الترمذي: ج [3] / كتاب الجنائز باب 16/991. [10] الترمذي: ج [4] / كتاب اللباس - حديث 1728، والإهاب: الجلْد قبل الدبغ لأنه تهيأ للدبغ. [11] القَرَظ: شجر يُدبغ به، وقيل هو ورق السَّلَم يُدبغ به الآدَم، والعَفْص: حَمْل شجرة البلوط. [12] الشَّبّ: حَجَر معروف يشبه الزَّاج، يُدبغ به الجلود. [13] مسلم: ج [3] / كتاب الأضاحي باب [4]/20.
المقدار والمعفو عنه من النجاسات:
-1 - المغلّظة: يُعفى عن قدر الدرهم بالوزن أو ما يعادل مساحة مُقعّر الكفّ داخل مفاصل الأصابع.
-2 - المخفّفة: يُعفى عن قدر ما دون ربع الثوب الكامل أو البدن على الصحيح، وذلك لقيام الربع مقام الكل، كقيام ربع الرأس مقام كل المسح. وقيل إن المعفوَّ عنه هو مقدار ربع جزء من العضو أو الثوب الذي أصابته النجاسة (الكم، أو الطَّرَف، أو البَنِيقه) [1] . [1] البَنِيقة: طَوْق الثوب الذي يضم النحر وما حوله.
ب - النجاسة المخففة:
وهي عند الإمام: ما تعارض نصان في نجاستها وطهارتها.
وعند الصاحبين: ما اختلف العلماء في نجاستها أو عمت بها البلوى.
والنجاسات المخففة هي:
-1 - بول ما يؤكل لحمه مطلقاً، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه) [1] ، ولحديث أنس رضي الله عنه قال: (إن ناساً اجتووا في المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعيه، يعني الإبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها) [2] . ولذا فهو نجس نجاسة مخففة عند الإمام لتعارض النصين، وعند الصاحبين لأن السادة المالكية قالوا بطهارته فوقع الخلاف في طهارته ونجاسته. واختلف في بول الفرس قيل طاهر، والأصح أنه نجس.
-2 - خَرء سباع الطير وكل ما لا يؤكل لحمه من الطيور التي تزرق في الهواء. أما الطيور الأهلية والتي يؤكل لحمها فخرؤها طاهر كالحمام والعصفور.
-3 - سؤر البغل والحمار مشكوك في طهوريته، وهو طاهر على الأظهر، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: (نعم وبما أفضلت السباع كلها) [3] . [1] الدارقطني: ج [1] / ص 128. [2] البخاري: ج [5] / كتاب الطب باب [6]/5362. واجتووا: أصابهم مرض البطن. [3] البيهقي: ج [1] / ص 249.
تعريف النجاسة:
النجاسة لغة: ما يستقذر.
وشرعاً: اسم لعين مستقذرة شرعاً.
أقسامها: النجاسة قسمان:
-1 - نجاسة حقيقية وتكون من الخبث.
-2 - ونجاسة حكمية وتكون من الحدس.
وبعد أن تكلمنا عن النجاسة الحكمية وكيفية التطهر منها، نبحث في النجاسة الحقيقية وكيفية تطهير محلّها.
والنجاسة الحقيقية قسمان:
أ - نجاسة مغلَّظة.
ب - نجاسة مخَّففة.
والمعتبر في التقسيم هو المقدار المعفوّ عنه من كل منها لا كيفية تطهيرها.
أ - النجاسة المغلظة:
وهي عند الإمام: ما توافقت على نجاستها الأدلة، أي ورد في نجاستها نص لم يعارضه نص آخر وهي عند الصاحبين: ما اتفق العلماء على نجاستها ولا بلوى في إصابتها.
وتشمل النجاسات المغلظة ما يلي:
-1 - الخمر: وهو ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف الزبد. وقد ورد النص بنجاستها قال تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [1] ، ولم يعارض بنصّ آخر، ولم يختلف الفقهاء في نجاستها فهي مغلظة بالاتفاق. أما نوع المسْكِرات ففيها ثلاثة أقوال: التغليظ والتخفيف والطهارة، والراجح أنها نجاسة مخففة. ويتبع الخمر الكحول فهو لا يصنع إلا من الخمر، ويعفى [2] عنه عند استعماله للجروح لعموم البلوى.
-2 - الدم المسفوح من سائر الحيوانات التي لها دم سائل، قال تعالى: {أو دماً مسفوحاً فإنه رجس} [3] ، ويستثنى من الدم ما يبقى في اللحم بعد الذبح، وما يبقى في العروق والكبد والطحال، كما يعفى عن دم السمك، وذلك لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) [4] . أما الدم غير المسفوح فطاهر ما لم يسل على المختار، إذ ما لم يكن حدثاً فليس بنجس، وقال الإمام محمد: إنه نجس احتياطاً. ودم الشهيد طاهر في حقه للضرورة.
-3 - كل ما يخرج من جسم الإنسان وينقض الوضوء كالبول، والغائط، والدم، والصَّديد، والقيح، والمذي، والودي، والمني، هو نجس. وبول الصغير كالكبير أكل أو لم يأكل. أما البول فنجس، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) [5] . وأما الغائط، فلما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به) [6] . وأما الدم، فلما روت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب. قال: (اقرصيه واغسليه وصلي فيه) [7] ، وعن حماد قال: "البول عندنا بمنزلة الدم ما لم يكن قدر الدرهم فلا بأس فيه" [8] . وأما الصديد والقيح فإنهما نجسان قياساً على الدم. وأما المذي والودي، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "المني والمذي والودي. فالمني منه الغسل ومن هذين الوضوء، يغسل ذكره ويتوضأ" [9] . وأما المني، فلما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المني: (كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة، وأثر الغسل في ثوبه: بُقع الماء) [10] .
-4 - الخنزير نجس العين، وكل ما يخرج منه من لعاب وغيره نجس، لقوله تعالى: {أو لحم خنزير فإنه رجس} [11] .
-5 - بول ما يؤكل لحمه من الحيوان، وروثه، ولعابه، كنجو الكلب ورجيع السباع وبول الفأرة كلها نجسة مطلقاً إذا حلت بالماء. ويعفى عن قليله في الثوب والطعام للضرورة.
-6 - ميتة الحيوان ذي الدم السائل، لقوله تعالى: {حرَّمت عليكم الميتة} [12] . والإنسان إذا مات فهو نجس، فإن كان الميت مسلماً إذا غسل فطاهر وقبل الغسل مختلف في نجاسته حدث أو خبث. ويستثنى من الميتة العظم والشعر فهما طاهران، لقوله صلى الله عليه وسلم لثوبان رضي الله عنه: (يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج) [13] ، أما الجلد فهو نجس قبل الدبغ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) [14] .
-7 - خرء الدجاج والبط والإوز وكل حيوان طائر يزرق على الأرض خرؤه، فهو نجس.
-8 - رَوْث وبعر ما يؤكل لحمه من الحيوان هو نجس نجاسة مغلظة عند الإمام، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ... فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا رِكْس) [15] . وهو نجاسة مخففة عند الصاحبين لقول الإمام مالك بطهارته، ولعموم البلوى لكثرته في الشوارع وعدم إمكان الناس التحرزّ منه. [1] المائدة: 90. [2] أي لا تسقط عنه صفة النجاسة. والضرورة تقدر بقدرها، والتداوي بالمحرم جائز عند الضرورة إذا لم يوجد غيره. [3] الأنعام: 145. [4] ابن ماجة: ج 2 / كتاب الأطعمة باب 31/3314. [5] البخاري: ج 1 / كتاب الوضوء باب 55/215. [6] البخاري: ج 1 / كتاب الوضوء باب 55/214. [7] ابن ماجة: ج 1 / كتاب الطهارة باب 118/629. [8] مسند الإمام أحمد: ج 4 / ص 391. [9] البيهقي: ج 1 / ص 115. [10] البخاري: ج 1 / كتاب الوضوء باب 64/228. [11] الأنعام: 145. [12] المائدة: 3. [13] أبو داود: ج 4 / كتاب الترجل باب 21/4213. [14] أبو داود: ج 4 / كتاب اللباس باب 41/4123. [15] البخاري: ج 1 / كتاب الوضوء باب 20/155. والّرِكْس بالكسر: الّرِجس. وهو أيضاً الَّرجيع، وذلك لرجوعه من حال الطهارة إلى حالة النجاسة.
حكم الغُسالة:
-1 - غسالة النجاسة الحكيمة: طاهرة غير مطهرة على أظهر الأقوال.
-2 - غسالة النجاسة الحقيقية: نجسة سواء انفصلت متغيرة أو غير متغيرة، وسواء انفصلت الغُسالة عن المحل طاهراً كان أم نجساً؛ لأن حكم الغُسالة هي حكم المحل قبل ورود الماء عليه.
لكن لو أصابت النجاسة ثوباً أو محلاً فإنه يطهر بالغسل مرات مختلفة حسب انفصاله عن المحل بعد الغسلة الأولى أو الثانية.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 68