اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 66
الطهر بين الدمين: إذا انقطع الدم ثم عاد، فإن كانت المدة خمسة عشر يوماً فأكثر يكون فاصلاً بين الدمين في الحيض اتفاقاً فما بلغ من كل الدمين نصاباً جعل حيضاً وأنه إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلاً وإن كان أكثر من الدمين اتفاقاً. واختلفوا فيما بين ذلك على عدة أقوال الأَوّلى الأخذ بقول أبي يوسف وهو قول الإمام الآخر: إن الطهر المتخلل بين الدمين لا يفصل بل يكون كالدم المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر المتخلل. فلو رأت مبتدأة يوماً دماً وأربعة عشر طهراً ويوماً دماً فالعشرة الأولى حيض. ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوماً دماً وعشرة طهراً ويوماً دماً فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت عادتها وإلا ردت إلى أيام عادتها. وقيل إن الشرط في جعل الطهر المتخلل بين الدمين حيضاً كون الدمين المحيطين به في مدة الحيض لا في مدة الطهر.
أما الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس فلا يفصل عند الإمام أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر أو أقل أو أكثر ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي وعليه الفتوى. وعندهما الخمسة عشر تفصل. فلو رأت بعد الولادة يوماً دماً وثمانية وثلاثين طهراً ويوماً دماً فعنده الأربعون نفاس وعندهما الدم الأول.
أحكام الحيض والنفاس وما يحرم على المرأة فيهما:
-1 - يمنع الحيض والنفاس صحة الطهارة، إلا إذا قصدت التنظيف فلا يحرم، لأنه يستحب للحائض أو النفساء أن تتوضأ لوقت كل صلاة وتقعد في مصلاها تسبح وتهلل وتكبر بقدر أدائها كي لا تفتر همتها.
-2 - يمنع الاعتكاف ويفسده إذا طرأ عليه.
-3 - يمنع وجوب طواف الصَّدر أو الوداع (أي يصبح سنة في حقها) ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض) [1] .
-4 - يحرم الطلاق في أثنائهما، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُرْه فليراجعها..) [2] ولكن يقع الطلاق وإن كان بدعياً.
-5 - تَبْلُغ الصبيَّة بالحيض سِنّ التكليف، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) [3] .
-6 - يُوجب الغسل عند الانقطاع، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم حبيبة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) [4] .
-7 - يقطع الحيض التتابع في صوم كفارة اليمين، ولا يقطعه في صوم كفارة القتل والإفطار. أما النفاس فيقطع التتابع في كل الكفارات.
-8 - يمنع الصلاة فلا تصح، وتحرم، ولا يجب عليها القضاء للحرج، فقد ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) [5] . ويتبع الصلاة سجود التلاوة وسجود الشكر، وكل ما هو من نوع الصلاة.
-9 - يمنع صحة الصوم، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (أليس إذا حاضت - يعني المرأة - لم تصل ولم تصم) [6] . ويثبت وجوبه في الذمة فيجب عليها قضاؤه، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نمر بقضاء الصلاة) [7] . ولو شرعت بالصوم أو بالصلاة تطوعاً ثم حاضت وجب عليها قضاء ذلك اليوم، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [8] .
-10 - يمنع دخول المسجد، إلا المرور فيجوز بشرط أن يكون باب الدار داخل المسجد ولم يمكن تحويله ولا السكنى في غيره، فحينئذ تتيمم وتمر. روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) [9] . ولو حاضت امرأة في المسجد تتيمم وتخرج.
-11 - يحرم بهما الطواف بالكعبة، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في الحج: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) [10] . ولو طافت حائض طواف الركن جاز منها ولزمها بَدَنة فتحل به، أما لو طاف محدث حدثاً أصغر لزمه شاة لشرف البيت، إلا أن يعاد على طهارة في أيام النحر.
-12 - يحرم بهما مس المصحف إلا بغلاف منفصل عنه، لقوله تعالى: {لا يمسّه إلا المطهرون} [11] . ويكره حمله بالكمّ تحريماً لتبعية اللباس للابسه. ويلحق بالقرآن كتب التفسير التي غلبت فيها الآيات القرآنية التفسير، كما يحرم مسّ أي آية كتبت على لوح أو جدار أو قطعة ورق. ويجوز لأهل العلم أخذ الكتب بحائل لضرورة الدراسة، كما يجوز تقليب ورق المصحف بنحو قلم، أو أمر صبي بحمله [12] . أما كتابة القرآن فلا بأس بها بحيث لا تحمل الكتابة.
-13 - تحرم قراءة القرآن ولو آية واحدة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن) [13] ، وأبيح لمن تُعَلِّم القرآن أن تقرأ كلمة أو أقل من آية. أما لو قرأت على وجه الدعاء فلا مانع كما لو قرأت آيات الدعاء أو آية الكرسي أو غيرها. ولا بأس بقراءة أدعية من القرآن.
-14 - يحرم وطئوها، لقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يَطْهرن} [14] ، ولما روى أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع) [15] . والنهي للتحريم، وقيل يكفر مستحله لأن حرمته ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقيل لا يكفر مستحلّه لأنه حرام لغيره لا لعينه. وإن وطئها في الحيض أثما إن كانا طائعَيْن، ويكفيهما الاستغفار والتوبة، ويُستحب أن يتصدق بدينار إن كان أول الحيض، وبنصف دينار إن كان آخر الحيض، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار" [16] ، وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار) [17] . أما إذا كان أحدهما طائعاً والآخر مُكرهاً فيأثم الطائع دون المكره.
-15 - يحرم استمتاع الزوج بها ما بين السرة والركبة إلا بحائل، لما روي عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِتَشُدَّ إزارها، ثم شأنك بأعلاها) [18] ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض) [19] . وقال الإمام محمد: يجتنب شعار الدم أي الجماع فقط، لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واصنعوا كل شيء غير النكاح) [20] ، ولكنه قال: "هو رتع حول الحمى" فيمنع منه حذراً من الوقوع في المحرم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه" [21] . وعند الإمام أبي حنيفة لا يجوز الاستمتاع بما تحت الإزار ولا بالنظر. [1] البخاري: ج [2] / كتاب الحج باب 143/1668. [2] مسلم: ج [2] / كتاب الطلاق باب [1]/[1]. [3] ابن ماجه: ج [1] / كتاب الطهارة باب 132/655. [4] مسلم: ج [1] / كتاب الحيض باب 14/65. [5] مسلم: ج [1] / كتاب الحيض باب 15/69. [6] البخاري: ج [1] / كتاب الحيض باب 6/298. [7] مسلم: ج [1] / كتاب الحيض باب 14/62. [8] محمد: 33. [9] أبو داود: ج [1] / كتاب الطهارة باب 93/232. [10] البخاري: ج [1] / كتاب الحيض باب 7/299. [11] الواقعة: 79. [12] ولا يجوز لف شيء في ورق كُتِب فيه فقه أو اسم الله تعالى أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم. [13] ابن ماجة: ج [1]/ كتاب الطهارة باب 105/596. [14] البقرة: 222. [15] ابن ماجة: ج [1] / كتاب الطهارة باب 125/644. [16] أبو داود: ج [1] / كتاب الطهارة باب 106/265. [17] الترمذي: ج [1] / أبواب الطهارة باب 103/137. [18] الموطأ: ص 49. [19] البخاري: ج [1] / كتاب الحيض باب 5/295. [20] البيهقي: ج [1] / ص 313. [21] مسلم: ج [1] / كتاب الحيض باب [1]/[2].
أحكام المعذور:
-1 - يتوضأ لكل وقت صلاة، لا لكل فرض، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: (لا. إنما ذلك عرق وليس بالحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) . قال: قال أبي [1] ، ثم (توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) [2] . ويصلي بوضوئه هذا ما شاء من الفرائض، أداء للوقتية وقضاء لغيرها، والنوافل، ويقرأ القرآن، ويصلي الواجبات كالوتر والعيد والجنازة.
-2 - ينتقض وضوء المعذور:
أ - بكل ناقض للوضوء ما عدا الناقض الذي هو سبب العذر.
ب - بدخول الوقت الآخر عند الإمام زُفَر، وبخروج الوقت عند الإمام أبي حنيفة والإمام محمد، وبدخوله وخروجه عند الإمام أبي يوسف. ويظهر أثر الخلاف في صلاة الضحى بوضوء الصبح إذا لم يحدث المعذور، فعند الإمام زُفَر لا تصح صلاة الظهر بوضوء الضحى وتصح عند الإمام. [1] يعني أبي عروة راوي الحديث عن عائشة رضي الله عنها. [2] البيهقي: ج [1] / ص 344. قال التركماني في (الجوهر النقي ذيل السنن الكبرى للبيهقي) : "يضمر الوقت. والتقدير لوقت كل صلاة".
أحكام المعذور وشروطه:
تعريف المعذور: هو كل من به عذر دائم كالمستحاضة، ومن به سلس بول، أو استطلاق بطن، أو جرح ينز، أو رعاف دائم. وطهارة هؤلاء ضرورية أي ليست حقيقية لمقارنة الحدث.
ومن الأدلة على ذلك، ما روي عن خارجة بن زيد قال: "كبر زيد حتى سلسل منه البول فكان يداويه ما استطاع فإذا غلبه توضأ وصلى" [1] .
وعن المسور بن مخرمة "أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن صلى الصبح من الليلة التي طعن فيها، فأوقظ عمر فقيل له الصلاة الصبح. فقال: نعم. ولاحظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى عمر وجرحه يثعب دماً" [2] .
وعن عكرمة قال: في الرعف لا يرقأ: "يسد أنفه ويتوضأ ويصلي" [3] . [1] البيهقي: ج [1] / ص 357. [2] البيهقي: ج [1] / ص 357. [3] البيهقي: ج [1] / ص 357.
أحكام الاستحاضة:
-1 - لا تمنع الاستحاضة الصلاة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر. أفأدع الصلاة. قال: (لا. إنما ذلك عرق وليس بالحيضة. اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير) [1] .
-2 - لا تمنع الصوم ولا الجماع، لأن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة ومع ذلك صحت منها، ولما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم وتصلي) [2] ، وعن عكرمة قال: "كانت أم حبيبة تُسْتحاض فكان زوجها يغشاها" [3] . وحكم المستحاضة هو نفس حكم المعذور دائم العذر. [1] البيهقي: ج [1] / ص 345. [2] الترمذي: ج [1] / أبواب الطهارة باب 94/126. [3] أبو داود: ج [1] / كتاب الطهارة باب 120/309.
متى تنتهي المرأة من حيضها ويحل لها ما حرم به؟
-1 - إذا انقطع الدم لأكثر الحيض وهو عشرة أيام. ويجوز في هذه الحالة الوطء قبل الغسل، إلا أنه يستحب في هذه الحالة الغسل للخروج من خلاف العلماء، ولقراءة التشديد في قوله تعالى: {فإذا تطهرن} . ويجوز أيضاً أن تغتسل وتصلي ولو لم ينقطع الدم، كما يجوز لها التيمم لصلاة الجنازة والعيد لأنهما تفوتان لغير عوض.
-2 - أن ينقطع الدم لأقل من عشرة أيام ودون عادتها وأكثر من ثلاثة أيام، كأن تكون عادتها سبعاً فينقطع الدم لستة أيام، تغتسل وتصلي وتصوم ولا يحل وطؤها احتياطاً لاحتمال عود الدم.
-3 - أن ينقطع الدم لعادتها ولدون عشرة أيام، تغتسل وتصلي وتصوم. ويحل وطؤها بأحد ثلاثة أشياء: إما أن تغتسل، أو تتيمم لعذر مبيح للتيمم وتصلي على الأصح، أو تصير الصلاة ديناً في ذمتها وذلك بأن تجد بعد الانقطاع زمناً يسع الغسل والتحريمة فما فوقهما ولكن لم تغتسل ولم تتيمم حتى خرج الوقت فبمجرد خروجه يحل وطؤها.
تعقيب: إذا طهرت المرأة قبل خروج الوقت بما لا يتسع للغسل والتحريمة، فلا تجب عليها الصلاة. أما إذا طهرت لتمام عشر، فتجب عليها الصلاة وتثبت في ذمتها ولو طهرت قبل فوت الوقت بمقدار التحريمة.
ثالثاً - الاستحاضة وأحكامها:
الاستحاضة بالتعريف: هي كل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام، وما زاد على الأكثر الحيض، وكذا ما تراه المرأة في طهرها، والصغيرة قبل تسع سنين من العمر، وما تراه الآيسة والحامل قبل خروج أكثر الولد، وما زاد على أكثر النفاس. روي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقل ما يكون من المحيض عشرة أيام، فإذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي مستحاضة) [1] . [1] الدارقطني: ج [1] / ص 218.
مدته: لا حد لأقله عند جمهور العلماء، فقد ينقطع حال استهلال المولود. وأكثر النفاس أربعين يوماً بلياليها، لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون يوماً" [1] ، وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقّت للنفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك) [2] .
وما زاد على أربعين يوماً فهو استحاضة، إلا أن يكون لها عادة فتردّ إلى عادتها فإذا رأت الدم أكثر من عادتها يتبع النفاس، فإذا انقطع قبل الأربعين أو عنده دل على تغير عادتها، وإن استمر بعد الأربعين تقضي ما زاد على عادتها من الصلاة والصوم.
النفساء لتوأمين: يجب أن يكون بين الولدين أقل من ستة أشهر، ويعتبر النفاس من ولادة الأول. فلو وضعت الثاني بعد الأربعين فلا نفاس لها بعد الثاني بل تغتسل وتصلي.
ويكون انقضاء العدة (الطلاق أو الوفاة) بعد نزول الثاني لأن العبرة لبراءة الرحم.
مسألة: هل لمن أسقطت نفاس؟ الجواب: يكون الجنين نطفة (40) يوماً، ثم علقة (40) يوماً، ثم مضغة (40) يوماً. والمضغة يكون عمرها من الـ (81 - 120) يوماً وخلال هذه المدة يظهر تخلقها. فإذا كان السَّقْط مضغة غير مخلَّقة فما دون، فليس لها نفاس وإنما يكون حيضاً. وإن كان السَّقط مضغة ظهر بعض تخلقها فللمرأة نفاس وعليها غسل. [1] الترمذي: ج [1] / أبواب الطهارة باب 105/139. [2] ابن ماجه: ج [1] / كتاب الطهارة باب 128/649.
ثانياً: النِفّاس:
تعريفه:
لغة: الولادة.
شرعاً: هو الدم الخارج عقب الولادة، أو هو خروج أكثر الولد ولو سَقْطاً بشرط أن يكون متخلقاً [1] . ولو أخرج الولد عن غير طريق الفرج إن سال الدم عقب ولادتها من الرحم فنفساء وإلا فذات جرح لا تعطى حكم النفساء. [1] السَّقْط والسِّقْط: الوليد لغير تمام، والتخلق يكون بعد الثمانين يوماً.
ألوان الحيض: يُعد ما تراه الحائض من الألوان في مدة حيضها حيض، لما روي أن النساء كن يبعثن عائشة بالدُّرجة فيها الكُرْسُف فيه الصفرة فتقول: "لا تعجلْنَ حتى ترين القَصَّة البيضاء" [1] . تريد بذلك الطهر من الحيضة. والمعتمد أن الكدرة حيض في أوله وآخره، وقال الإمام أبو يوسف: هي قبل الدم طُهْر وبعده حيض. والمعتمد باللون حال الرؤية لا بعد التغير.
ويستحب وضع القطن للمرأة في حالة الحيض للبكر، وفي حالة الحيض والطهر للثيب. [1] البخاري: ج [1] / كتاب الحيض باب 19، والكرسف: القطن.
ركن الحيض: بروز الدم إلى خارج الفرج. (وقال الإمام محمد إنه يثبت بإحساس المرأة ولو لم ينزل إلى الفرج الخارج، فيجب عليها إعادة يوم رمضان إن أحست بنزول الدم إلى الفرج ولو لم ترَ الدم قبل الغروب) أما عند الإمام والمفتى به أنه لا يثبت الحيض إلا برؤية الدم.
شروط الحيض:
-1 - تقدم نصاب الطهر وهو خمسة عشر يوماً ولو حكماً.
-2 - أن يدوم ثلاثة أيام بلياليها على الأقل، فإذا انقطع قبل مضي ثلاثة أيام تتوضأ وتصلي ما فاتها لأنه حينذاك لا يكون حيضاً. ولا يشترط أن يستمر الدم دون انقطاع بل العبرة لأوله وآخره.
مدة الحيض:
أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليهن، وأكثره عشرة أيام بلياليها. وما نقص عن الثلاث أو زاد على العشرة فهو استحاضة، إلا أن تكون لها عادة فتردّ إلى عادتها. واستُدل على ذلك بعدة أحاديث أكثرها موقوف [1] أو في إسناده ضعف، إلا أن تعدُّد طرق الحديث يرفعه ويقويه. ومن هذه الأحاديث ما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقل ما يكون من المحيض للجارية البكر والثيب ثلاث، وأكثر ما يكون المحيض عشرة أيام، فإذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي مستحاضة) [2] .
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام) [3] . [1] الحديث الموقوف: هو ما روي عن الصحابي من قول له أو فعل أو تقرير متصلاً كان أو منقطعاً. واشترط بعضهم أن يكون متصل الإسناد إلى الصحابي غير منقطع. [2] الدارقطني: ج [1] / ص 218. [3] الدارقطني: ج [1] / ص 219.
- إن معرفة مسائل الحيض والنفاس مهمة جداً لما يترتب عليها من أحكام: كالطهارة، والصلاة، والقراءة، والصوم، والاعتكاف، والحج، والبلوغ، والوطء، والطلاق، والعِدّة والاستبراء.
أولاً: الحيض:
تعريفه:
لغة: السيلان، يقال حاض الوادي إذا سال ماؤه، وحاضت الشجرة إذا نزل منها الصمغ.
شرعاً:
-1 - من حيث هو حدث: صفة شرعية مانعة لما تشترط له الطهارة.
-2 - من حيث هو نجس: دم يخرج من رحم امرأة بالغة لا داءَ بها ولا حَبَل ولم يبلغ سن اليأس.
صفته: دم أسود لذّاع كريه الرائحة.
سبب الحيض: ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم) [1] . [1] البخاري: ج [1] / كتاب الحيض باب [1]/290
شروط المعذور:
-1 - ثبوت العذر (متى يكون المرء معذوراً) : أن يستوعب العذر وقتاً كاملاً حقيقة باستمرار السيلان بلا انقطاع بقدر الوضوء والصلاة، أو حكماً بأن ينقطع لمدة أقل مما يكفي للطهارة والصلاة.
-2 - دوام العذر: أي وجود العذر بعد ثبوته، بأن لا يخلو وقت كامل منه ولو مرة واحدة في الوقت.
-3 - شرط انقطاع العذر: خلوّ وقت كامل عن العذر بانقطاعه كل الوقت.
مثاله: رجل رعف أو سال جرحه في أثناء الوقت، ينتظر آخر الوقت. فإن انقطع الدم فبها، وإن لم ينقطع توضأ وصلى قبل خروج الوقت، فإذا فعل ذلك ثم دخل وقت صلاة أخرى ثانية وانقطع ودام الانقطاع، تبين أنه صحيح صلى صلاة المعذورين (أي يجب عليه إعادة الصلاة الأولى) ، وإن لم ينقطع الدم في وقت الصلاة الثانية حتى خرج الوقت، جازت الصلاة لأنه تبين أنه معذور. فالوقت الثاني هو المعتبر في إثبات العذر وعدمه لمن ابتدأه العذر في أثناء الوقت الأول. فمن سال جرحه قبل دخول وقت العصر ينتظر إلى آخر الوقت فيصلي الظهر آخر الوقت مع سيلان الجرح، فإذا دخل وقت العصر ودام السيلان إلى المغرب، تبين أنه صار معذوراً لاستيعاب وقتاً كاملاً، وعندها تبين صحة صلاة الظهر. أما من ابتدأه العذر مع ابتداء الوقت الأول فلا يحتاج لإثبات عذره استيعاب الوقت الثاني.
ملاحظة هامة: لا يجب على المعذور قضاء الأوقات التي صلاها أيام عذره لأنها صحت منه.
مسألة: لو أصاب ثوب المعذور نجاسة من عذره فلا يجب عليه غسله، إلا إذا كان يضمن أنه لا يتلوث خلال الصلاة، لأن طهارة الجسد آكد من طهارة الثوب وقد صحت الصلاة بدونها. هذا عن النجاسة في ثوب المعذور، أما في ثوب غيره فيجب غسلها بالإجماع.
الطهر:
تعريفه: هو المدة التي تفصل بين حيضتين أو بين حيض ونفاس.
مدته: أقل الطهر بين حيضتين أو بين حيض ونفاس بعد أن أتمت أكثر النفاس خمسة عشر يوماً. ولا حدّ لأكثره. لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً) . إما إذا استمر الدم فتحدد مدة الطهر كما يلي:
أ - المعتادة: وهي التي سبق لها دم وطهر صحيحان، فطهرها وحيضها ما اعتادت إن كان طهرها أقل من ستة أشهر، فإن كان ستة أشهر أو أكثر ترد إلى ستة أشهر إلا ساعة وحيضها بحاله. وهذا على قول الأكثر.
ب - المبتدأة: وهي مراهقة بلغت وهي مستحاضة واستمر بها الدم، فحيضها من أول ابتداء الدم عشرة أيام وطهرها عشرون يوماً، ونفاسها أربعون يوماً وطهرها بعد النفاس عشرون يوماً. وفي حالة العدة تعتبر عدتها تسعين يوماً (عشرين طهر وعشرة حيض) .
جـ - المتحيرة: وهي التي نسيت عادتها، فلا يقدر حيضها وطهرها إلى في حق العدة [1] والصلاة. [1] فيقدر حيضها بعشرة وطهرها بستة أشهر إلا ساعة فتنقضي عدتها بتسعة عشر شهراً وعشرة أيام غير أربع ساعات.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 66