اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 50
حكم الغسل:
أ - فرض: يكون الغسل فرضاً في الحالات التالية (وهي موجباته) :
-1 - خروج المني بشهوة إلى ظاهر الجسد، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الماء من الماء) [1] . إذا انفصل عن مقره أي عن الصلب للرجل وعن الترائب [2] للمرأة. ولا يشترط دوام الشهوة حتى يخرج المني إلى الظاهر بل يكفي وجودها عند انفصاله من الصلب خلافاً لأبي يوسف.
وسواء كان نزول المني عن جماع أو احتلام أو نظر أو استمناء فإنه موجب للغسل، ودليل وجوب الغسل حال الاحتلام حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم إذا رأت الماء) . فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ فقال: (تَربَتْ يداك فبم يشبهها ولدها) [3] .
وإذا استيقظ من النوم فوجد منياً ولم يتذكر احتلاماً وجب عليه الغسل، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً. قال: (يغتسل) [4] . أما من ذكر حلماً ولم ير بللاً فلا غسل عليه.
ويوجب الغسل: إنزال المني بوطء ميتة أو بهيمة أو إدخال إصبع فإن نزل المني وجب الغسل لقصور الشهوة. وكذا لو وجد المني بعد سكر أو إغماء.
ولو خرج المني بدون شهوة عن مرض، أو تعب، أو حمل ثقيل، أو ضرب على الصلب، فلا غسل عليه. وذلك لما روي عن مجاهد قال: "بيننا نحن أصحاب ابن عباس حلق في المسجد، طاووس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وابن عباس قائم يصلي، إذ وقف علينا رجل فقال: هل من مُفتٍ؟ فقلنا: سل. فقال: إني كلما بلت تبعه الماء الدافق، قلنا: الذي يكون منه الولد؟ قال: نعم، قلنا: عليك الغسل، قال: فولى الرجل وهو يرجع، قال: وعجل ابن عباس في صلاته، ثم قال لعكرمة: عليَّ بالرجل، وأقبل علينا فقال: أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرجل عن كتاب الله؟ قلنا: لا، قال: فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: لا، قال: فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: لا، قال: فعمَّه؟ قلنا: عن رأينا، قال: فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. قال: وجاء الرجل، فأقبل عليه ابن عباس فقال: أرأيت إذا كان ذلك منك أتجد شهوة في قبلك؟ قال: لا، قال: فهل تجد خدراً في جسدك؟ قال: لا، قال: إنما هي إبردة يجزيك منها الوضوء".
-2 - التقاء الختانين ولو بدون إنزال، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شُعبها الأربع، ومسّ الختان الختان، فقد وجب الغسل) [5] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع وأجهد نفسه فقد وجب الغسل، أنزل أم لم ينزل) [6] .
وكذا يجب الغسل إذا كان الإيلاج في الدبر، قال علي رضي الله عنه: "توجبون فيه الحد ولا توجبون فيه صاعاً من ماء".
-3 - انقطاع الحيض والنفاس، لقوله تعالى: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [7] .
ويجب الغسل بعد الولادة ولو كانت بغير دم.
-4 - الموت: ووجوب الغسل بحق الميت المسلم فقط، وغسله فرض كفاية على المسلمين، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسِدْر) [8] .
ويجب الغسل احتياطاً لمن أصاب كل جسده نجاسة أو بعضه وخفي مكانها.
ب - سنة: ويكون الغسل سنة لأمور:
-1 - لصلاة الجمعة، لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل) [9] . والغسل للصلاة فلو اغتسل ثم أحدث فتوضأ لم تحصل السنة، وقيل الغسل لليوم.
-2 - لصلاة العيدين، لما روى الفاكه بن سعد - وكانت له صحبة - رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النحر) [10] .
والحكمة من الغسل في أيام الاجتماعات لدفع أذى الرائحة الكريهة.
-3 - للوقوف بعرفة بعد الزوال لفضل زمان الوقوف، للحديث المتقدم ولما روي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: "اغتسلت مع ابن مسعود يوم عرفة تحت الأراك" [11] . ويسقط عنه إن لم يجد ساتراً.
-4 - للإحرام بالحج أو العمرة، والغاية منه التنظيف لا التطهير، لذا يسن للمرأة الحائض والنفساء. وذلك لما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه (رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل) [12] . ولا يتيمم بدله إن فقد الماء.
-5 - للإسلام، إن أسلم وهو طاهر عن موجبات الغسل.
-6 - البلوغ بالسن لا بالاحتلام.
جـ - مندوب:
-1 - يندب الغسل لمن أفاق من جنون أو سكر أو إغماء، لما روي عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى. (ثقل النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماء في المِخْضَبِ. ففعلنا. فاغتسل. ثم ذهب ليَنُوء فأغمي عليه. ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا. وهم ينتظرونك يا رسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. ففعلنا. فاغتسل..) [13] .
-2 - لإحياء الليالي الوارد إحياؤها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كليلة النصف من شعبان وليلة القدر.
-3 - بعد تغسيل الميت، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسَّل ميتاً فليغتسل) [14] .
-4 - لصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء وصلاة الخوف.
-5 - لمن حكم عليه بالقتل، فيغتسل قبل أن ينفذ فيه الحكم.
-6 - للقادم من السفر.
-7 - للتائب من الذنب.
-8 - لمن أصابته نجاسة وخفي عليه مكانها.
-9 - لدخول مكة أو المدينة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه (كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله) [15] .
-10 - لرمي الجمار.
-11 - للوقوف بمزدلفة.
-12 - لطواف الزيارة.
-13 - المستحاضة إذا انقطع عنها الدم.
-14 - بعد الحجامة. [1] مسلم: ج 1 / كتاب الحيض باب 21/81، ويقصد بالماء الأول الغسل وبالثاني المني. [2] الترائب: عظام الصدر. [3] مسلم: ج 1 / كتاب الحيض باب 6/32. [4] الترمذي: ج 1 / أبواب الطهارة باب 82/113. [5] مسلم: ج 1 / كتاب الحيض باب 22/88. [6] الدارقطني: ج 1 / ص 112. [7] البقرة: 222. [8] البخاري: ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 32/1753، والوَقْص: كَسْر العنق. والسِّدر شجر النَّبق. [9] مسلم: ج 2 / كتاب الجمعة /4. [10] مسند الإمام أحمد: ج 4 / ص 78. [11] مجمع الزوائد: ج 3 / ص 153. [12] الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 16/830. [13] مسلم: ج 1 / كتاب الصلاة باب 21/90، ومعنى لِنَوء، أي ليقوم وينهض. [14] ابن ماجة: ج 1 / كتاب جنائز باب 8/1463. [15] مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 38/227.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 50