responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 44
النواقض جمع ناقض وهو كل ما يُبطل المراد أو المقصود منه، وناقض الوضوء: هو ما يجعله غير صالح لإفادة العبادات التي لا تصح بلا وضوء.
والنواقض قسمان:
أ - النواقض الحقيقية:
-1 - كل خارج من السبيلين من بول أو غائط أو ريح أو مذي أو ودي وإن كان قليلاً سواء أكان معتاداً أم غير معتاد كالدودة والحصاة.
ودليل الانتقاض في الغائط قوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط ... فلم تجدوا ماء فتيمموا} [1] .
أما البول فبالسنة المستفيضة والإجماع والقياس على الغائط.
وأما الريح فلحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) . قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط [2] . وروي عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: (لا ينفتل - أو ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) [3] . وهذا يخص الريح من الدبر، أما من القبل فلا يفسد الوضوء لأنه اختلاج.
وأما المذي فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ وانضح فرجك) [4] .
وأما الودي فلما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "الودي الذي يكون بعد البول فيه الوضوء" [5] .
وأما أدلة انتقاض الوضوء في الخارج غير المعتاد فعموم قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: (الوضوء مما خرج وليس مما دخل) [6] ، وما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في الذي يتوضأ فيخرج الدود من دبره: "عليه الوضوء" [7] .
وكذا إذا حشى الإحليل بقطنة فظهر البلل للطرف الخارج انتقض وضوؤه، ولو أدخل إصبعه في دبره ينتقض وضوؤه.
-2 - كل نجاسة سائلة من غير السبيلين كالدم والقيح، لما روى تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء من كل دم سائل) [8] .
ويشترط السيلان عن موضع الجرح، وهو خروج النجاسة وتجاوز محلها يطلب تطهيره ولو ندباً، كدم وقيح وصديد وماء الثدي وماء السُرَّة والأذن إن كان لمرض ولو سال بالعصر، أو كلما خرج مسحه إذ لو تركه لسال فيعتبر ناقضاً. أما لو كان الخروج في مجالس متفرقة كلما خرج مسحه قبل أن يسيل فلا ينقض. وإذا انتفخ رأس الجرح فظهر به قيح لا ينقض ما لم يتجاوز الورم لأنه لا يجب غسل موضع الورم أي إذا كان يضره غسل ذلك المتورم ومسحه وإلا فينبغي أن ينتقض. ولا يُنْقَضُ الوضوء لو خرج ماء صاف عن حرق أو عين أو غيره إلا أن يشوبه دم أو قيح. ولو وضع المريض قطنة أو رباطاً على الجرح فلم يسل الدم لا يفسد الوضوء إلا عند فك الرباط وحينئذ فقط ينفصل الدم عن الجرح، كذلك يفسد الوضوء عند سيلان الدم حول العِصابة [9] ، وكذا لو تشربت القطنة القيح.
-3 - القيء إن ملأ الفم، مهما كان نوعه طعاماً أو دماً، ولو لم يتغير. لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ) . قال أبو الدرداء: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: "صدق أنا صببت له وضوءه" [10] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابه قيء أو رعاف [11] أو قَلْس [12] أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم) [13] . وضابط ملء الفم ما لا يمسكه الفم ويطبق عليه بمشقة، وقيل ما يمنع الكلام. ولو قاء على فترات يبلغ مجموعها ملء الفم ينقض وضوؤه إذا اتحد المجلس عند الإمام أبي يوسف، أما الإمام محمد فيقول بانتقاضه ولو لم يتحد المجلس بشرط اتحاد السبب للقيء.
ويكون القيء نجساً مطلقاً إن كان خارجاً من المعدة، أما لو كان خارجاً من المري قبل وصوله إلى المعدة فليس بنجس كالصبي إذا تقيأ ساعة رضاعته فوراً، وكذا ماء فم النائم فهو ليس بنجس ولو كان بحيث لو جُمع لملأ الفم إلا أن يكون منتناً أو أصفراً فهو نجس [14] على قول الإمام أبي يوسف. أما ماء فم الميت فنجس مطلقاً.
-4 - نزول دم من الأسنان أو الفم إذا غلب البصاق أو ما ساواه، والعبرة باللون. أما إن كان من المعدة أو الرأس فهو ناقض مطلقاً بسيلانه إلى الفم وإن قلَّ، وإن كان بشكل علقة فيعتبر فيه ملء الفم.
-5 - لو مصت علقة عضواً فامتلأت من الدم يفسد الوضوء، ويقاس عليها إبرة الدم حيث يخرج دم مسفوح، أما إن كان قليلاً فلا ينقض كالبّق والذباب.
-6 - المباشرة دون حائل، لأنه مظنة خروج المذي، والعبرة لوجود الشهوة إذا كانت فاحشة بتماس فرجين ولو بين امرأتين أو رجلين أو رجل وصبي أو رجل وامرأة مع الانتشار ولو بلا بلل.
ب - نواقض الوضوء الحكمية: أي أنها ليست إحداثاً بذاتها بل هي أسباب للأحداث وهي:
-1 - نوم غير المتمكن، والناقض هنا عدم وعي الحدث لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكاء السَّه العينان، فمن نام فليتوضأ) [15] .
-2 - القهقهة في الصلاة تفسد الوضوء والصلاة معاً، إذا كان المصلي بالغاً، لما روي عن معبد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما هو في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة، فوقع في زبية فاستضحك القوم حتى قهقهوا، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة) [16] . وضابط القهقهة أن يسمع مَن بجواره صوته، وإن لم يسمعه من بجواره ففيه إعادة الصلاة فقط. وليس على التبسم شيء لأنه صلى الله عليه وسلم تبسم عندما جاءه جبريل عليه السلام في الصلاة وأخبره أن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً ... ولم يعد صلاته.
والقهقهة مفسدة للوضوء زجراً لأنه انتهاك لحرمة الصلاة لذا يشترط البلوغ لأن الصبي لا يعاقب. وإذا قهقه الإمام في الصلاة أو أحدث عمداً بطلت صلاته ووضوؤه وبطلت صلاة المؤتمين، فإذا ضحكوا قهقهة بعده لا يبطل وضوؤهم لأنهم تقهقهوا بعد فساد الصلاة. ولو كانت القهقهة عند السلام لا يبطل الصلاة بل تنقض الوضوء لخروجه بها من الصلاة إلا أنه تارك واجب السلام.
-3 - الإغماء: وهو مرض يُضْعف القوى ويستر العقل.
-4 - الجنون: وهو مرض يزيل العقل ويزيد القوى.
-5 - السُّكْر: وهو خِفّة يظهر أثرها بالتمايل وتلعثم الكلام.
ملحق: هناك أشياء غير ناقضة للوضوء نجملها فيما يلي:
-1 - ظهور دم لم يسل عن محل خروجه.
-2 - سقوط لحم من غير سيلان دم.
-3 - خروج دودة من غير السبيلين.
-4 - مس العورة، لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال: قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله، ما ترى في مسِّ الرجل ذكره بعدما يتوضأ فقال: (هل هو إلا مضغة منه أو قال: بضعة منه) [17] .
-5 - مس امرأة غير محرم مطلقاً، لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ) [18] ، ولأن تفسير {أو لامستم النساء} [19] في الآية المقصود به الجماع، لكن يندب الوضوء للخروج من الخلاف.
-6 - قيء لا يملأ الفم.
-7 - قيء بلغم [20] ولو كان كثيراً.
-8 - تمايل نائم احتمل زوال مقعدته، لما روي عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تَخفِق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون) [21] .
-9 - نوم مصلٍّ قائماً أو راكعاً أو ساجداً على الهيئة المسنونة بأن أبدى ذراعيه وجافى بطنه عن فخذيه (ولو في غير الصلاة على المعتمد) لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجب الوضوء على من نام جالساً أو قائماً أو ساجداً حتى يضع جنبيه، فإنه إذا وضع جنبيه استرخت مفاصله) [22] . وكذا لا ينقض وضوء من نام متوركاً أو محتبياً [23] إذا كانت مقعدته متمكنة. وإلا فعليه الوضوء بالنوم الذي لا يفهم معه الخطاب. لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع توضأ" [24] .
ولا شبه المنكّب على وجهه [25] .
وكذا نوم قاعد متمكّن مستند إلى شيء كحائط أو وسادة بحيث لو زال أو أزيل المستَندُ إليه لسقط الشخص، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من نام وهو جالس فلا وضوء عليه، وإن اضطجع فعليه الوضوء" [26] .
ما يحرم بالحدث الأصغر:
-1 - الصلاة وكل ما كان مثلها كسجدة التلاوة وسجدة الشكر وصلاة الجنازة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) [27] .
-2 - مس المصحف ولو آية، إلا بغلاف منفصل، لقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} [28] .
-3 - الطواف لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير) [29] .
تعقيبات:
-1 - إن شك في بعض وضوئه أعاد إن لم يكن له عادة في الشك.
-2 - إن تيقن الوضوء وشك بالحدث فهو متوضئ، أما لو تيقن الحدث وشك بالوضوء بعده فهو محدث. وذلك عملاً باليقين. لما روى عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة. قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) [30] .
-3 - إن شك في نجاسة ماء أو ثوب أو طلاق أو عِتْق لم يعتبر.

[1] النساء: 43.
[2] البخاري: ج 1 / كتاب الوضوء باب 2/135.
[3] البخاري: ج 1 / كتاب الوضوء باب 4/137. وليس وجدان الرائحة أو السمع شرطاً في ذلك، بل المراد حصول اليقين بخروج شيء منه.
[4] مسلم: ج 1 / كتاب الحيض باب 4/19.
[5] البيهقي: ج 1 / ص 115.
[6] البيهقي: ج 1 / ص 116.
[7] البيهقي: ج 1 / ص 116.
[8] الدارقطني: ج 1 / ص 157.
[9] العصابة: كلّ ما شد به من منديل أو خِرْقَة.
[10] الترمذي: ج 1 / أبواب الطهارة باب 64/87.
[11] الرُّعاف: سيلان الدم من الأنف.
[12] القَلْس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بِقَيءٍ فإن عاد فهو قيء.
[13] ابن ماجة: ج 1 / كتاب إقامة الصلاة باب 137/1221.
[14] الفتوى على طهارته.
[15] أبو داود: ج 1 / كتاب الطهارة باب 80/203.
[16] الدارقطني: ج 1 / ص 167.
[17] أبو داود: ج 1 / كتاب الطهارة باب 71/182.
[18] أبو داود: ج 1 / كتاب الطهارة باب 69/179.
[19] النساء: 43.
[20] البلغم: هو الرطوبة التي تخرج من الفم.
[21] أبو داود: ج 1 / كتاب الطهارة باب 80/200.
[22] البيهقي: ج 1 / ص 121.
[23] المحتبي: هو الذي يجمع ظهره وساقيه بعمامته أو يديه، ويضع قدميه على الأرض ورأسه على ركبتيه.
[24] البيهقي: ج 1 / ص 123.
[25] أي من نام واضعاً إليته على عقبيه وبطنه على فخذيه.
[26] البيهقي: ج 1 / ص 120.
[27] البخاري: ج 1 / كتاب الوضوء باب 2/135.
[28] الواقعة: 79.
[29] الترمذي: ج 1 / كتاب الحج باب 112/960.
[30] مسلم: ج 1 / كتاب الطهارة باب 26/98.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 44
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست