اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 23
- المياه التي يصح التطهير بها سبعة، وهي كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض. وتفصيلها كما يلي:
-1 - المطر لقوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً} [1] .
-2 - ماء البحر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته) [2] . كما يُرفع الحدث بماء مهيئ لأن ينعقد ملحاً لا بماء حاصل وبذوبان ملح وهو الذي يجمد في الصيف ويذوب في الشتاء لبقاء الأول على طبيعته الأصلية وانقلاب الثاني إلى طبيعته الملحية.
-3 - ماء النهر.
-4 - ماء البئر.
-5 - ماء الثلج والبرد، لحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ) [3] .
-6 - ماء العين. [1] الفرقان: 48. [2] الترمذي: ج [1] / كتاب الطهارة باب 52/69. [3] مسلم: ج [1] / كتاب الصلاة باب 40/204.
مياه الآبار والصهاريج
خامساً - ماء طاهر مشكوك في طهوريته:
وهو سؤر [1] كل حيوان مختلف في جواز أكل لحمه، كالحمار الأهلي والبغل الذي أمه أتان [2] .
حكمه:
آ - يعود طاهراً مطهراً إن خالطه ماء مطلق أكثر منه.
ب - لا يجوز استعماله في الغسل والوضوء مع وجود غيره. وعند فقد الماء يتوضأ ويتيمم للشك.
جـ - تجوز إزالة النجاسة به عن الثوب والبدن. [1] السؤر: هو ما بقي في الإناء بعد الشرب. [2] الأتان: الحمارة، ولا يكره سؤر ما أمه مأكولة كبقرة مثلاً.
رابعاً - الماء المتنجس:
وهو قسمان:
آ - ماء جارٍ: وهو ما يعدّه الناس جارياً على الأصح، وقيل ما يذهب بتبنة. ولا يعد هذا الماء نجساً إلا بتغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو ريح.
ويعتبر حوض الحمام جارياً إذا كان الصنبور والمصرف مفتوحين لو الماء نازلاً والغرف متدارك بحيث لا يسكن الماء.
ب - الماء الراكد: وهو إما أن يكون قليلاً أو كثيراً.
-1 - القليل: يَنْجُس بوقوع النجاسة فيه ولو لم يظهر أثرها، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) [1] . ويطهر بالتطفيف، أي بإضافة ماء طاهر إليه حتى يجري فيحكم بطهارته ما لم تظهر أثر النجاسة فيه.
-2 - الكثير: وهو ما لا يخلص بعضه إلى بعض أي لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الآخر. وقال الإمام أبو حنيفة: العبرة في ذلك رأي المُبتلى. وحدد علماء الحنفية الخلوص بالمساحة فقدَّروها بعشر في عشر من ذراع الكِرباس [2] . أي ما يساوي (49) م [2] مساحة سطح الماء. وعمق ما لا ينجلي بالاغتراف أو لا ينحسر أسفله أي لا تبدو أرضه إذا اغترف منه.
وحكم الماء الكثير أنه لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه، وإذا كانت النجاسة مرئية وظاهرة فلا يتوضأ من مكانها. [1] البخاري: ج [1] / كتاب الوضوء باب 68/236. [2] الكِرباس: فارسيٌّ معّرب بكسر الكاف وجمعه كرابيس: الثوب الخشن. وقيل أيضاً: هو الثوب الأبيض من القطن.
ثالثاً - ماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره [1] :
آ - الماء المستعمل: ويعرف بأنه الماء الذي أزيل به حَدَثٌ، كغسالة الوضوء والماء المنفصل من غسل المحدث، والماء المستعمل في البدن بنية القربة كالوضوء على الوضوء، وغسل اليدين قبل الطعام لما روى سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) [2] . أو وضوء الحائض لتسبيحة الفريضة، أو المنفصل من سنة المضمضة والاستنشاق في الوضوء.
والقول الراجح: إن الماء يصير مستعملاً عندما ينفصل عن العضو وإن لم يستقر.
ب - ماء الشجر والثمر.
جـ - ماء زال عن رقته بالطبخ، كماء الحمص والعدس، وماء خالطه أحد الجامدات الطاهرات فزالت سيولته.
د - الماء الذي حصل له اسم غير الماء بمخالطة الجامدات الطاهرات، وإن بقي على سيولته، مثل العرق سوس. [1] يجوز شربه واستعماله، إن كان نظيفاً مع الكراهة التنزيهية، لإزالة الحدث. وهو يطهر من الخبث عند عدم وجود غيره. [2] أبو داود: ج [4] / كتاب الأطعمة باب 12/3761. وغسل اليدين قبل تناول الطعام سنة.
أقسام المياه:
تقسم المياه من حيث أوصافها الشرعية إلى:
أولاً - ماء طاهر مُطَهِّر غير مكروه الاستعمال:
وهو الماء المطلق الذي يخالطه ما يصير به مقيداً. وهو الذي يرفع الحدث ويزيل النجس.
أما ماء زمزم فثوابه أكبر في الوضوء والغسل، لما روى أبو ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فُرج سقفي وأنا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم) [1] . لكن يكره الاستنجاء وإزالة النجاسة بماء زمزم تحريماً لأنه يستعمل للتبرك.
ويبقى الماء طاهراً مطهِّراً في الحالات التالية:
-1 - إن خالطه شيء من الطاهرات الجامدة، فغيرت أحد أوصافه أو كلها على أن لا تزيل سيولته وأن لا يحدث له اسم غير الماء، كالزعفران والأشنان وورق الشجر، لما روت أم هانئ رضي الله عنها (أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو يغتسل، قد سترته بثوب دونه، في قصعة فيها أثر العجين) [2] ، وما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يغسل رأسه بالخَطْميّ [3] وهو جنب يجتزي بذلك ولا يصب عليه الماء) [4] .
-2 - إن خالطه شيء من الطاهرات المائعة، ولم تغلب عليه، والغلبة تحصل بظهور وصف واحد من مائع له وصفان، كاللبن له وصفان: اللون والطعم. فإن لم يوجد جاز به الوضوء وإن وجد أحدهما لم يجز كما لو كان المخالط له وصف واحد فظهر وصفه. أما إن كان للمائع ثلاثة أوصاف كالخل وظهر وصف واحد فيبقى الماء طاهراً مطهراً. وتكون الغلبة للمائع الذي له نفس أوصاف الماء بالوزن، فإن اختلط رطلان مثلاً من الماء المستعمل أو ماء الورد الذي انقطعت رائحته برطل من الماء المطلق لا يجوز به الوضوء. وبالعكس لو كان الأكثر المطلق جاز به الوضوء.
-3 - إن مات فيه ما لا دم له سائلاً، كالحشرات والذباب والبعوض والعقرب والصرصور، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء) [5] .
-4 - إن مات فيه حيوان مائي المولد كالسمك وكلب البحر، للحديث المتقدم (هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ مَيْتَتُه) .
-5 - ماء مستعمل خالطه ماء مطلق غلب عليه.
-6 - ماء تغير بطول المكث.
-7 - ماء مات فيه ضفدع مائي المولد، فلا ينجسه ويجوز التطهر به، ولكن يحرم شربه لحرمة أكل لحم الضفادع [6] . [1] البخاري: ج [1] / كتاب الحج باب 75/1555. [2] النسائي: ج [1] / ص 202. [3] الخطمي: ضَرْبٌ من النبات يُغسل به. ويقال: يُغسل به الرأس (الختمية) . [4] البيهقي: ج [1] / ص 182. [5] البخاري: ج 5 / كتاب الطب باب 57/5445. [6] يحرم قتل الضفادع لحديث عبد الرحمن بن عثمان وفيه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع) مسند الإمام أحمد: ج [3] / ص 453.
ثانياً - ماء طاهر مطهر مكروه الاستعمال تنزيهاً مع وجود غيره [1] :
وهو الماء الذي شرب منه حيوان مثل الهرة والدجاجة المُخلاَّة [2] وسباع الطير. وقد وردت النصوص بطهارة الهرة لشدة تطوافها على الناس وعدم إمكان الاحتراز من سؤرها، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة: (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) [3] . [1] تزول الكراهة بفقدان الماء المطلق. [2] المُخَلاَّة: المرسلة، التي تجول في القاذورات ولم يعلم طهارة منقارها من نجاسته، فكُرِه سؤرها للشك. فإن لم يكن كذلك فلا كراهة فيه بأن حُبِست فلا يصل منقارها لقذر. [3] أبو داود: ج 1 / كتاب الطهارة باب 38/75.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 23