اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 208
تندب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ندباً مؤكداً، بل تقرب من درجة الواجبات لمن له سعة. فإنه صلى الله عليه وسلم حرض عليها وبالغ في الندب إليها فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما: (من زار قبري وجبت له شفاعتي) [1] ، وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي) [2] إلى غير ذلك من الأحاديث.
فإذا نوى المسلم زيارة القبر الشريف فلينو معه زيارة المسجد النبوي أيضاً، فإنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام ومسجد الأقصى) [3] .
وينبغي لمن رغب في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة المنورة. فإذا عاين حيطان المدينة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول: "اللهم هذا حرم نبيك ومهبط وحيك فامنن عليّ بالدخول فيه، واجعله وقاية لي من النار وأماناً من العذاب، واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب".
ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجه للزيارة إن أمكنه، أو يتوضأ، ويلبس أحسن ثيابه ويتطيب تعظيماً للقدوم على النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يدخل المدينة المنورة ماشياً، إن أمكنه، متواضعاً بالسكينة والوقار ملاحظاً جلالة المكان قائلاً: "بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رب أَدْخِلني مُدْخَل صِدق وأخرجني مُخْرَج صِدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً. اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل محمد واغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك".
فإذا وصل باب مسجده فليقدم رجله اليمنى في الدخول، ثم يأتي الروضة فيصلي ركعتين تحية المسجد عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. ومنبري على حوضي) [4] . ثم يسجد شكراً لله تعالى بأداء ركعتين غير تحية المسجد لما وفقه الله ومنّ عليه بالوصول إليه، ويدعو بما يحب ولمن أحب.
ثم يتوجه إلى قبره الشريف صلى الله عليه وسلم فيقف بعيداً عنه بمقدار أربعة أذرع، بغاية الأدب، مستدبر القبلة، محاذياً لرأس النبي صلى الله عليه وسلم، ملاحظاً في قلبه منزلة من هو بحضرته وسماعه لكلامه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يُسلم عليّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام) [5] ثم يسلم ويقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبيّ الله، السلام عليك يا صفيَّ الله السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نبيَّ الرحمة، السلام عليك يا شفيع الأمة، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا خاتم النبيين وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن قومه ورسولاً عن أمته، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وأوضحت الحجة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده، وأقمت الدين حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك إلى يوم الدين. يا رسول الله نحن وفدك وزوار قبرك، جئناك قاصدين قضاء حقك والتيمن بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربنا، فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا والأوزار قد أثقلت كواهلنا، وأنت الشافع المشفع. قال تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} [6] . وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربك، واسأله أن يميتنا على سنتك، وأن يوردنا حوضك، وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا نادمين. الشفاعة الشفاعة يا رسول الله. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم".
ويبلغه سلام من أوصاه فيقول: "السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، يستشفع بك إلى ربك، فاشفع له ولجميع المسلمين". ثم يصلي عليه صلى الله عليه وسلم ويدعو بما شاء.
ثم يتحول قدر ذراع جهة يمينه حتى يحاذي رأس الصديق رضي الله عنه فيقول مسلماً عليه: "السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله وأنيسه في الغار ورفيقه في الأسفار، جزاك الله عنا أفضل ما جزى إماماً عن أمة نبيه. اللهم أمتنا على حبه ولا تخيب سعينا في زيارته برحمتك يا أرحم الراحمين".
ثم يتحول مثل ذلك حتى يحاذي رأس عمر رضي الله عنه فيقول: "السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام ومكسر الأصنام. جزاك الله عنا أفضل الجزاء، ورضي عمن استخلفك". ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول: "السلام عليكما يا ضجيعَي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقيه، جزاكما الله أحسن الجزاء". ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين.
ثم يرجع فيقف عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: "ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وإخواننا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
ويأتي الأسطوانة التي تاب عندها أبو لبابة رضي الله عنه فيعلن توبته. وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى اسطوانة التوبة مما يلي القبلة يستند إليها) [7] .
ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ما شاء ويدعو ويكثر من التسبيح والاستغفار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام) [8] .
ويستحب له أن يخرج بعد زيارته صلى الله عليه وسلم إلى البقيع، فيأتي المشاهد والمزارات وخاصة قبر سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه. ويقول: "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون". ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً، مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) [9] .
كما يستحب أن يأتي مسجد قِباء يوم السبت أو غيره ويصلي فيه ويقول بعد دعائه بما أحب: "يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا مفرج كرب المكروبين، صلِّ على سيدنا محمد وآله، واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا المقام، يا حنّان يا منّان يا كثير المعروف يا دائم الإحسان يا أرحم الراحمين"، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين) [10] . [1] الدارقطني: ج 2 / ص 278. [2] الدارقطني: ج 2 / ص 278. [3] مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 95/511. [4] مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 92/502. [5] أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 100/2041. [6] النساء: 64. [7] البيهقي: ج 5 / ص 247. [8] مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 94/506. [9] مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 35/102. [10] مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 97/516.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 208