responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 202
الجنايات في الحج أنواع:
-1 - الجناية على الحرم.
-2 - الجناية على الإحرام.
-3 - الجناية على الطواف.
-4 - ترك واجب من واجبات الحج أو تأخير فرض.
أولاً - الجناية على الحرم:
وتتحقق بالتعرض لصيد الحرم أو شجره، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حرَّم الله مكة، فلم تَحِلَّ لأحد قبلي ولا لأحد بعدي أُحِلَّت لي ساعة من نهار، لا يُخْتَلَى خَلاَها، ولا يُعْضَد شجرها، ولا يُنَفَّر صيدها، ولا تُلْتَقط لُقَطَتُها إلا لمُعَرِّف. فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإِذْخِرَ لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: إلا الإِذْخر) [1] .
وجزاء من صاد في الحرم وهو حلال قيمة الصيد يتصدق بها على الفقراء، لأن الصيد استحق بالأمن بسبب الحرم. ولا يجزئه الصوم لأنها غرامة مالية وليست كفارة فأشبه ضمان الأموال. ولا يحل له أكله ولا بيعه بل هو ميتة [2] .
وإذا اشترك حلالان في صيد وجب عليهما معاً قيمته، ولا يتعدد الجزاء بتعدد المعتدي. ومن دخل الحرم ومعه صيد وجب عليه أن يرسله. ولو أخرج ظبية من الحرم فولدت ثم ماتت ضمن ثمنها وما ولدت. ولو شوى بيضاً أو جراداً أو حلب لبن صيد، لم يحرم أكله لكن يضمنه، وجاز بيعه مع الكراهة.
ولو قطع حشيش الحرم أو شجرة فيه ليست مملوكة مما لا ينتبه الناس فعليه قيمة ما قطع إلا إذا كان يابساً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم، (إلا الإذخر) .
ويكره تحريماً بيع ما قطعه من نبات الحرم لأنه ملكه بسبب محظور. أما ما ينبته الناس عادة فلا شيء في قطعه، لأنه غير مستحق للأمن. وإذا قطع ما نبت وحده من نبات الحرم في ملك غيره وجب عليه قيمتان: قيمة لحق الشرع وقيمة لصاحب الأرض على قول الصاحبين المفتى به من تملك أرض الحرم.

[1] البخاري: ج [2] / كتاب المناسك باب 75/1284.
[2] على قول الكرخي، وهو المختار في المذهب، وقال بعض أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه إن أكله مباح لكن مع الكراهة.
ثانياً - الجناية على الإحرام:
ويكون متلبساً فيها من أقدم على فعل محظورات الإحرام وهو بالغ، سواء كان عامداً أو ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً. ولو فعله عمداً لغير ضرورة وقال: أفدي، لم يجز ولا يسقط عنه الإثم بالجزاء ويكون حجه غير مبرور.
ويتكرر الجزاء بتكرر فعل المحظور إن لم يتحد المجلس.
والجنايات على الإحرام هي:
-1 - الرَّفَث:
أ - الجماع: وهو مفسد للحج إن وقع قبل الوقوف بعرفة، ويترتب على من فعله ذبح شاة، وأن يتم حجه المفسد، ثم يقضي الحج وجوباً في العام الذي يليه. وذلك لما روي: أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما: (اقضيا نسككما، وأهديا هدياً، ثم ارجعا، حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، وعليكما حجة أخرى، فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وأتما نسككما وأهديا) [1] .
أما إن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فعليه بَدَنة ويتم حجه، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يُفيض، فأمره أن ينحر بَدَنة" [2] .
وإن جامع بعد الحلق ما بين التحللين فعليه شاة لبقاء الإحرام في حق الجماع إلى ما بعد طواف الإفاضة.
ب - المباشرة بشهوة وكل دواعي الجماع من عناق أو تقبيل أو لمس، أنزل أم لم ينزل، فيها شاة ما لم يتحلل التحلل الثاني. فعن علي رضي الله عنه قال: "من قَبّل امرأته وهو محرم فليهرق دماً" [3] .
جـ - الاستمناء أو مجامعة بهيمة: فيه شاة إن أنزل.
أما التفكر والنظر بشهوة والاحتلام ليس فيها شيء.
-2 - الطيب: تجب شاة على من طيّب عضواً كاملاً أو أكثره، أو أكل طيباً كثيراً، أو طيّب فمه، أو لبس ثوباً مطيباً نهاراً كاملاً أو ليلة كاملة. وإن طيّب جسمه كله في مجلس واحد تجب شاة واحدة. فإن طيّب أقل من عضو وتعددت المواضع تجمع كعضو واحد، فإن طيّب أقل من عضو فعليه صدقة [4] مع إزالة الطيب عن العضو قبل التفكير.
-3 - الادّهان: من دهن عضواً كاملاً لغير عذر (لغير التداوي) بزيت الزيتون أو غيره فعليه شاة.
-4 - لبس المخيط: يجب شاة على من لبس مخيطاً أو غطى ربع رأسه يوماً وفيما دون ذلك صدقة. وكذلك المرأة إن سترت وجهها. واعتبر اليوم ارتفاقاً كاملاً، ويقوم أكثر اليوم مقام الكل.
-5 - الحلق: تجب شاة بحلق ربع الرأس أو ربع اللحية أو أحد الإبطين أو العانة، وفي أقل من ذلك صدقة قدرها نصف صاع من بُرّ. ومن حلق رأس غيره فعليه صدقة.
-6 - قص الأظافر: تجب شاة في قص أظافر يد أو أكثر في مجلس واحد، أما إن تعدد المجلس فيجب في كل عضو دم (العضو خمسة أظافر) ، وفي أقل من ذلك في كل ظفر صدقة وهي نصف صاع من بُرّ، ومن قص أظافر غيره فعليه صدقة. أما إن انكسر ظفره فنزعه فلا شيء عليه.
ومن تطيَّب أو حلق أو لبس لعذر فهو مخير بين ذبح شاة أو أن يتصدق بثلاثة آصاع من طعام على ستة مساكين أو أن يصوم ثلاثة أيام، لقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [5] ، ولما روي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال له: (آذاك هوامّ رأسك. قال: نعم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (احلق رأسك ثم اذبح شاة نسكاً أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصُعٍ من تمر على ستة مساكين) [6] .
ولا يصح ذبح دم الجزاء إلا في الحرم لأنه لا يعتبر قربة إلا في مكان مخصوص لقوله تعالى: {هدياً بالغ الكعبة} [7] . أما دم التمتع والقران فيختصان بالزمان وهو أيام النحر الثلاثة والمكان وهو الحرم.
وأما الصوم والصدقة فيصحان في كل مكان إن شاء عجلهما في مكة أو أخرهما حتى يرجع إلى أهله، لأنهما قربة في جميع الأزمنة والأمكنة.
-7 - الصيد: يجب على المحرم إذ قتل صيداً أو دل عليه من يقتله جزاء يقوّمه عدلان في مكان قتله أو قريب منه، فإن بلغت قيمته هدياً فله الخيار إن شاء اشتراه وذبحه في الحرم، أو اشترى بقيمته طعاماً يتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بُرّ (أو صاع من تمر أو شعير) ، أو صام عن طعام كل مسكين يوماً. ولو بلغت قيمة الصيد هديين أو بدنة فهو مخير بين أن يذبح شاتين في الأولى أو سبع شياه في الثانية. والدليل على قيام القيمة مقام الذبح قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم، هدياً بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياماً، ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه، والله عزيز ذو انتقام} [8] ، فالمطلوب هو المثل المطلق بالقيمة لا المثل في الصورة فإنه غير مقصود.
أما الصيد غير المأكول فلا يتجاوز الجزاء فيه قيمة الشاة، إلا أن يكون معلماً فيضمن قيمته [9] ، أو يصوم عن طعام كل مسكين يوماً. ولا يجوز أن تعطى القيمة للأصول ولا للفروع ولا للزوج ولا للزوجة.
وتجب القيمة بقطع بعض قوائم الحيوان ونتف ريشه وكسر بيضه.
ويجب فيما لو قتل قملة من بدنه أو ألقاها أو ألقى ثوبه في الشمس لتموت، أن يتصدق بما شاء، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال "في القملة يقتلها المحرم يتصدق بكسرة أو قبض من طعام" [10] . وكذا من قتل جرادة تصدق بما شاء، فعن يحيى بن سعيد "أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن جرادات قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب: تعال حتى نحكم، فقال كعب درهم، فقال عمر لكعب: إنك لتجد الدراهم لتمرة خير من جرادة" [11] .
ولا يجب شيء في قتل البعوض والنمل المؤذي والبراغيث والقراد.
وحكم ما اصطاده المحرم حكم الميتة لا يجوز أكله ولا بيعه ولا إهداؤه. ولا بأس للمحرم أن يذبح شاة أو بطاً أهلياً، لأنه ليس بصيد.
وكل ما على المفرد فيه دم على القارن فيه دمان [12] .

[1] البيهقي: ج 5 / ص 167.
[2] الموطأ: ص 265.
[3] البيهقي: ج 5 / ص 168.
[4] الصدقة نصف صاع من بر.
[5] البقرة: 196.
[6] مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 10/84.
[7] المائدة: 95.
[8] المائدة: 95.
[9] المعلم يضمن قيمته لمالكه معلماً ولحق الله تعالى غير معلم.
[10] البيهقي: ج 5 / ص 213.
[11] الموطأ: ص 287.
[12] يعني بفعل شيء من محظورات الإحرام وما حرم فعله بسبب نفس الإحرام لا من حيث كونه حجاً أو عمرة، فلو ترك القارن واجباً من واجبات الحج فليس عليه إلا دم واحد كما إذا ترك طواف الوداع أو الرمي أو الوقوف بمزدلفة.
ثالثاً - الجناية على الطواف:
-1 - من طاف طواف الإفاضة جنباً أو حائضاً فعليه بَدَنة (إلا إذا أعاده على طهارة) .
-2 - من طاف طواف العمرة كله أو أكثره أو أقله جنباً أو حائضاً، أو طاف كله أو أكثره محدثاً، فعليه دم (شاة) . وكذا لو ترك من طواف العمرة شوطاً لأنه لا مدخل للصدقة فيها، وهناك قول آخر بأنه عليه لكل شوط صدقة كما لو طاف أقله محدثاً وجب عليه لكل شوط نصف صاع من حنطة.
-3 - من طاف طواف الركن محدثاً، أو طاف طواف الوداع أو طواف السنة جنباً، فعليه شاة.
-4 - من طاف طواف السنة محدثاً فعليه صدقة.
-5 - من طاف طواف الركن وهو كاشف العورة بما يفسد الصلاة فعليه شاة. أما من طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة أكبر من قدر الدرهم فلا شيء عليه لكن يكره.
وإذا أعاد المكلف الطواف الناقص، في جميع الحالات المذكورة، على وجه مشروع سقط عنه الدم لأن جنايته صارت متداركة. ولا يعيد السعي بعده.
رابعاً - ترك واجب من واجبات الحج:
تجب شاة على من ترك واجباً من واجبات الحج كترك السعي أو طواف الوداع أو الوقوف بمزدلفة. وتجب الشاة في ترك رمي الجمار كلها أو يوم منها، أو تأخير رمي يوم عن وقته (يومه) ، فإن ترك رمي بعض حصيات أو لم تصل الحصاة إلى مكانها عند الرمي، ففي كل حصاة صدقة نصف صاع من بُرّ.
ولو أفاض من عرفات قبل الغروب وجب عليه دم (بخلاف ما إذا وقف ليلاً فلا يجب عليه شيء اتفاقاً) إلا أن يعود قبل الغروب فيسقط الدم على الأصح.
ولو جاوز الميقات بدون إحرام لزمه دم، إلا أن يعود فيحرم من الميقات.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 202
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست