responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 189
شروط صحة الرمي:
-1 - أن يكون المرمي به من جنس الأرض من حجر أو مَدَر أو طين، أو بما يصح التيمم به، فلو رمى كفاً من تراب أجزأه عن حصاة واحدة.
-2 - أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات في كل يوم، وأن يقذف كل حصاة على حدة، فلو رماها دفعة واحدة لم تجزئ إلا عن واحدة. لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات..) [1] . ولا يشترط أن تصيب الحصيات الجمرة بل لو وقعت قريبة منها دون ثلاثة الأذرع صح ذلك، وإن لم يتأكد أعاد الرمي احتياطاً. ويلزمه صدقة لكل حصاة إذا لم يبلغ رمي يوم أو أكثره، فلو بلغ رمي يوم أو أكثره لزمه دم كأربع حصيات يوم النحر أو إحدى عشر فيما بعده.
-3 - ترتيب الجمار الثلاث أثناء الرمي في أيام التشريق، فيبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم العقبة. فإن عكس أعاد الوسطى والعقبة على قول الإمام محمد (وقال الإمام أبو حنيفة وصاحبه بسنيته) . ودليل الترتيب ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يرمي الجمرة الدنيا، بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يُسْهِل، فيقول مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ثم يدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيُسْهِل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله) [2] .

[1] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 78/1973.
[2] البخاري: ج [2] / كتاب الحج باب 139/1664.
سنن طواف الوداع:
-1 - إتمام الأشواط السبعة إذ الواجب أكثرها (أي أربعة أشوط) وبترك أقلها تلزمه صدقة.
-2 - الشرب من ماء زمزم والنية بشربه ما شاء، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه جابر رضي الله عنه: (ماء زمزم لما شُرِب له) [1] .
-3 - تقبيل عتبة باب الكعبة المرتفعة عن الأرض.
-4 - وضع الصدر والوجه على الملتزم، لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم) [2] . كما يسن التشبث بأستار الكعبة والتضرع إلى الله تعالى بالدعاء بما أحب من أمور الدارين، ويكثر من البكاء، فإن لم يبك فليتباكَ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، فالتفت فإذا عمر يبكي فقال: يا عمر ههنا تسكب العبرات) [3] .
-5 - المشي إلى ورائه ووجهه إلى البيت حتى يخرج من المسجد ونظره إلى الكعبة.
ويستحب أن يقول في الوداع: "اللهم هذا بيتك الذي جعلته مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. اللهم فكما هديتنا فتقبله منا ولا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام".
سادساً - ذبح شاة للقارن والمتمتع.
وسيأتي شرحه عند بحث الدماء إن شاء الله.
سابعاً - الترتيب بين الرمي والحلق والذبح.

[1] البيهقي: ج [5] / ص 148.
[2] البيهقي: ج [5] / ص 164.
[3] المستدرك: ج [1] / ص 454.
خامساً - طواف الوداع (الصدر) :
وهو واجب على الحاج الآفاقي بشرط كونِه مدركاً مكلفاً غير معذور. فلا يجب على المكي ولا على المعتمر مطلقاً ولا المحصر ولا المجنون ... الخ. ومن في حكمهم أي ممن كان داخل المواقيت، وكذا من نوى الاستيطان قبل حل النفر الأول فلا يجب عليهم بل يندب لأنه شرع لختم أفعال الحج.
ويتحقق طواف الوداع بأكثره وهو أربعة أشواط، أما بقية الأشواط فهي سنة ويجب عليه في ترك كل شوط منها صدقة.
ومن سافر قبل أن يطوف وجب عليه أن يعود إن لم يتجاوز الميقات بعد، فإن تجاوز الميقات وجب عليه دم (وهو الأَوْلى) أو العودة بإحرام جديد بعمرة من الميقات مبتدئاً بطوافها ثم يطوف طواف الوداع.
وقته:
أ - وقت جواز: بعد طواف الزيارة إذا كان عازماً على السفر حتى لو طاف كذلك ثم أطال الإقامة بمكة ولو سنة ولن ينو الإقامة جاز طوافه. ويكفي فيه أصل النية بلا لزوم تعيين كونه للصدر فلو طاف بعد إرادة السفر ونوى التطوع أجزأه عن الصدر كما لو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع عن الفرض.
ب - وقت مستحب: عند إرادة السفر، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس يطوفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) [1] .
وأما آخر وقته فليس بموقت ما دام مقيماً حتى لو أقام عاماً لا ينوي الإقامة فله أن يطوف ويقع أداء.

[1] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 67/379.
سنن الحلق والتقصير:
-1 - استيعاب الرأس كله بالحلق.
-2 - أن يذكر عند الحلق، فيكبر ويقول: "اللهم هذه ناصيتي فاجعل لي بكل شعرة نوراً يوم القيامة، يا أرحم الراحمين".
-3 - أن يبدأ باليمين، لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم: (وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر) .
-4 - أن يدفن الشعر بعد الحلق.
-5 - يستحب أخذ الشارب وقصّ الأظافر بعد الحلق أو التقصير، لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. ولما روي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه رضي الله عنه (أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحر هو ورجل من الأنصار، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا فلم يصبه ولا صاحبه شيء. وحلق رأسه في ثوبه فأعطاه وقسم منه على رجال، وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه ... ) [1] .
والحلق للرجل أفضل، بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم ارحم المُحلِّقين، قالوا: والمقَصِّرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين) [2] .
وأما المرأة فالتقصير لها أفضل، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) [3] ، ولأن حلق شعر رأسها يُعد مُثْلَة في حقها.

[1] مسند الإمام أحمد: ج [4] / ص 42.
[2] البخاري: ج [2] / كتاب الحج باب 126/1640.
[3] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 79/1984.
الاستنابة في الرمي:
من كان مريضاً لا يستطيع الرمي، بحيث يجوز له أن يصلي الرفض قاعداً، يرمي عنه غيره. وكذا المغمى عليه. أما من تركه أو وكَّل به من غير عذر لزمه دم.
ويكره للنائب أن يرمي عن غيره قبل أن يرمي عن نفسه الجمرات الثلاث.
رابعاً - الحلق أو التقصير:
دليله:
قوله تعالى: {لتدخُلُنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلِّقين رؤوسكم ومُقصِّرين} [1] .
ولما روي عن أنس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر. ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن والأيسر، ثم جعل يعطيه الناس) [2] .
والحلق هو استئصال الشعر بأي وسيلة (موسى، أو نورة أو غيرهما) ، وإن كان أقرعَ أو لم ينبت الشعر في رأسه بعد، مرّ الموسى على رأسه.
أما التقصير فهو أخذ مقدار أُنْملة من رؤوس شعر الرأس للرجل أو المرأة.
المقدار الواجب حلقه أو تقصيره: ربع الرأس وإلا لم يجزئ.

[1] الفتح: 27.
[2] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 56/323.
مكروهات الرمي:
-1 - أن تُرمى جمرة العقبة من فوق الوادي.
-2 - يكره أخذ الحصى من المرمى، لأنها حصى من لم تقبل حجته، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وكل به ملك ما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل ترك" [1] ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تقبل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتها مثل الجبال) [2] .
-3 - يكره أخذ حجر وكسره سبعين حصاة.
-4 - يكره الرمي بحصاة متنجسة.

[1] البيهقي: ج [5] / ص 128.
[2] البيهقي: ج [5] / ص 128.
سنن الرمي:
-1 - أن يكون رمي الحصى المرمي به قدر حصى الخذف بمقدار الحُمُّصَة وقيل الفولة أو الأُنْمُلَة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: (هات اُلقط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخَذْف فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغُلُوَّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) [1] .
-2 - أن يكون الرمي برؤوس الأصابع، وذلك بأن يضع طرف إبهامه اليمنى على وسط السبَّابة ويضع الحصاة على ظاهر الإبهام.
-3 - أن يكون بين الرامي وبين الجمرة خمسة أذرع أو أكثر.
-4 - أن يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم: (ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي) .
-5 - أن يقف عند جمرة العقبة بحيث تكون منى عن يمينه ومكة عن يساره، لما روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد الله قال: (فرمى الجمرة بسبع حصيات وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه وقال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة) [2] .
-6 - أن يقطع التلبية عند رمي أول حصاة، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الفضل أخبره (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة) [3] . وأن يكبر مع كل حصاة عند الرمي ويقول: "الله أكبر رغماً للشيطان وحِزبه. اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً". لما روى زيد أبو أسامة قال: (رأيت سالم بن عبد الله يعني ابن عمر استبطن الوادي، ثم رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر. اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وعملاً مشكوراً. فسألته عما صنع فقال: حدثني أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمرة في هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت) [4] .
-7 - الموالاة بين الحصيات السبع.
-8 - غسل الحصى قبل الرمي بها ليتيقن طهارتها.
-9 - أن يقف عَقِب رمي كل من الجمرتين الصغرى والوسطى مهلِّلاً مكبِّراً داعياً بمقدار ما يقرأ سورة البقرة، أما عقب رمي جمرة العقبة فلا يقف، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها) [5] .
-10 - أن يرمي الجمار ماشياً إلا جمرة العقبة فيجوز أن يرميها راكباً. وذلك لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنه كان يأتي الجمار، في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً وراجعاً. ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك" [6] . ولما روي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة راكباً ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى ورمى الناس) [7] .

[1] النسائي: ج [5] / ص 268.
[2] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 50/307.
[3] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 45/267.
[4] البيهقي: ج [5] / ص 129.
[5] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 78/1973.
[6] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 78/1969.
[7] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 78/1967.
سقوطه:
يسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء إن جاوزتا مسافة القصر قبل النّقاء، ولا يجب عليهما شيء. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّف عن الحائض) [1] .

[1] البخاري: ج [2] / كتاب الحج باب 143/1668.
-2 - رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق الثلاثة:
يجب على الحاج أن يرمي في كل يوم: الجمرة الصغرى وهي مما يلي مسجد الخَيْف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، إن لم يتعجل في يومين، وإلا صح الرمي في يومين، لقوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه} [1] .

[1] البقرة: 204.
ثالثاً - رمي الجمار:
وهي ثلاث: جمرة العقبة، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى.
-1 - رمي جمرة العقبة يوم العقبة:
جمرة العقبة هي ثالث الجمرات على حد مِنَى من جهة مكة، وهي ليست من مِنَى، ويقال لها الجمرة الكبرى.
وقت الرمي: يبدأ وقته من طلوع فجر يوم النحر، ويستمر حتى طلوع فجر أول يوم من أيام التشريق. فإن أخرَّه حتى فات وقته لزمه دم.
وله وقت فضيلة: هو من طلوع الشمس إلى زوالها، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تَرموا الجمرة حتى تطلع الشمس) [1] ، وعنه أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد، وأن لا يرموا الجمرة إلا مصبحين) [2] .
ووقت الجواز: من الزوال إلى غروب الشمس، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم: رميت بعد ما أمسيت، فقال: لا حرج) [3] .
أما وقت الكراهة: فهو من فجر يوم النحر إلى طلوع الشمس، ومن الغروب إلى فجر يوم التشريق.

[1] ابن ماجة: ج [2] / كتاب المناسك باب 62/3025.
[2] البيهقي: ج [5] / ص 132.
[3] البخاري: ج [2] / كتاب الحج باب 129/1648.
سنن الوقوف بمزدلفة:
-1 - يسن المبيت في المزدلفة ليلة النحر، فيتوجه الحاج إليها بعد غروب شمس يوم عرفة، لما روي عن أسامة رضي الله عنه قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) [1] .
-2 - أن يصلي فيها المغرب جمعاً معه العشاء بأذان وإقامة واحدة، لما روي عن أشعث ابن سُليم عن أبيه قال: (أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة فأذن وأقام، أو أمر إنساناً فأذن وأقام، فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات، ثم التفت إلينا فقال: الصلاة، فصلى بنا العشاء ركعتين ... فقيل لابن عمر في ذلك فقال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا) [2] . وإن فصل بينهما أعاد بالإقامة للعشاء، لما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: ( ... حتى قدمنا المزدلفة - أي مع النبي صلى الله عليه وسلم - فأقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم، ولم يحلوا حتى أقام العشاء فصلى ثم حل الناس) [3] . ولو صلى المغرب بعرفة أو في الطريق يعيدها إذا وصل مزدلفة لأنها غير جائزة، وإنما تنقلب جائزة بطلوع الفجر.
-3 - أن ينزل بجانب جبل قُزَح.
-4 - أن يجمع من المزدلفة سبعين حصاة بقدر حَبّ الباقلاَّء [4] .
-5 - أن يكثر من التكبير والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} [5] .
-6 - أن يقف عند المشعر الحرام فيذكر الله تعالى ويجتهد في الدعاء، لقوله تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} [6] ، وللحديث المتقدم: ( ... حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وهلله ووحده) .
ومن مأثور الدعاء قبل صلاة المغرب والعشاء: "اللهم إني أسألك أن ترزقني جوامع الخير، وأن تجعلني ممن سألك فأعطيته، ودعاك فأجبته، وتوكل عليك فكَفَيْتَه، وآمن بك فهدَيْتَه". فإذا فرغ من الصلاة يقول: "اللهم حرِّم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي على النار، يا أرحم الراحمين". ويسأل الله تعالى إرضاء الخصوم، فإن الله تعالى وعد ذلك لمن طلبه في هذه الليلة، فعن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة. فأجيب: إني قد غفرت لهم، ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم منه. قال: أي رب! إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة، وغفرت للظالم. فلم يجبه عشيته. فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء. فأجيب إلى ما سأل. قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) [7] .
ويدعو بعد صلاة الفجر فيقول بعد التلبية والتكبير والتهليل: "اللهم أنت خير مطلوب وخير مرغوب إليه، إلهي لكل وفد جائزة وقِرى، فاجعل اللهم جائزتي وقِراي في هذا المقام أن تتقبل توبتي وتتجاوز عن خطيئتي وتجمع على الهدى أمري. اللهم ارحمني، وأجرني من النار، وأوسع عليَّ الرزق الحلال. اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف، وارزقنيه أبداً ما أحيَيْتَني برحمتك يا أرحم الراحمين".
-7 - أن يمشي بسكينة وهدوء عند الدفع من مزدلفة، لما روي عن جابر رضي الله عنه قال: ( ... وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة) [8] .

[1] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 64/1924.
[2] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 65/1933.
[3] البيهقي: ج [5] / ص 122.
[4] الباقلاَّء: الفول.
[5] البقرة: 199.
[6] البقرة: 198.
[7] ابن ماجة: ج [2] / كتاب المناسك باب 56/3013.
[8] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 19/147.
دليل الوجوب:
أ - عمل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) وفي رواية: وقال: (قبل وقتها بغلس) [1] .
وعن جابر رضي الله عنه قال: ( ... ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحّدَه، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس) [2] .
ب - روي عن عروة بن مُضرِّس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بجمع فقلت: هل لي من حج؟ فقال: (من صلّى هذه الصلاة معنا، ووقف هذا الموقف حتى يفيض وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) [3] . فقد علق به تمام الحج.
وهو ليس ركناً اتفاقاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّم ضَعَفَة أهله بالليل، فعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: (كنا نغلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة إلى منى) [4] ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) [5] ، ولو كان ركناً لما قدَّمهم.
وإذا ترك الوقوف بمزدلفة لمرض أو كبر سِنّ أو لزَحْمة جاز ولا يجب عليه شيء. وإن تركه بلا عذر وجب عليه دم.

[1] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 48/292.
[2] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 19/147.
[3] النسائي: ج [5] / ص 264.
[4] النسائي: ج [5] / ص 262.
[5] النسائي: ج [5] / ص 261.
ثانياً - الوقوف بمزدلفة:
وقته: بعد فجر يوم النحر حتى طلوع الشمس. فيصلي الإمام بالناس الصبح بَغَلس ثم يقف والناس معه. والمزدلفة كلها موقف إلا بطن مُحَسِّر لما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مزدلفة موقف وارتفعوا عن بطن محسِّر) [1] .

[1] ابن ماجة: ج [2] / كتاب المناسك باب 55/3012.
سنن السعي:
-1 - أن يستلم الحجر بنهاية الطواف قبل السعي، وأن يخرج إلى السعي من باب الصفا.
-2 - أن يَصْعَد على الصَّفا والمروة حتى يرى البيت، وأن يمكث على كل منهما قدر ما يقرأ سورة من الفصل، لما روى جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقي عليه حتى رأى البيت) [1] . ويكره ترك الصعود.
-3 - أن يقرأ قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} للحديث المتقدم.
-4 - أن يرفع يديه حُذْوَ منكبيه عند البَداءة.
-5 - أن يستقبل البيت ويهلّل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع، وأن يدعو بالدعاء التالي: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. لا إله إلا الله أهل التكبير والتحميد والتهليل. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. فله الملك وله الحمد".
فإذا نزل من الصفا قال: "اللهم يسِّر لي اليُسرى وجنِّبني العُسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى".
ويقول على المروة مثل ما قال على الصفا. ودليل ذلك حديث جابر رضي الله عنه قال: (فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك. قال: مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة) [2] . ويقول في السعي: "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم".
-6 - يسن الإكثار من التكبير والتسبيح والتهليل، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) [3] .
-7 - يسن الرمل بين الميلين الأخضرين، لحديث جابر رضي الله عنه قال: ( ... ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا) [4] .
-8 - الموالاة بين السعي والطواف، فلا يجب السعي فوراً بعد الطواف، فلو أخرَّه لعذر أو ليستريح فلا بأس عليه. ودليل ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، فطاف بين الصفا والمروة سبعاً: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ) [5] ، كما تسن الموالاة بين مرات السعي، فلو أقيمت الصلاة أثناء السعي قطع سعيه وصلى ثم عاد وبنى على ما سعى ولا يعيد.
-9 - يسن للساعي الطهارة من الحدثين، كما يندب له صلاة ركعتين بعد السعي.

[1] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 19/147.
[2] مسلم: ج [2] / كتاب الحج باب 19/147.
[3] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 51/1888.
[4] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 57/1905.
[5] البخاري: ج [2] / كتاب الحج باب 79/1563.
واجبات الحج [1] قسمان:
أ - الواجبات المتعلقة بالأركان المذكورة سابقاً.
ب - الواجبات الأصلية غير المتعلقة بالأركان أو الشروط وهي:
أولاً - السَّعي بين الصَّفا والمروة [2] :
دليل الوجوب:
قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [3] . وحملت الآية على الوجوب لأنها لا تفيد الركنية.
وحديث حبيبة بنت أبي تجرأة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) [4] ، وهو خبر آحاد لا يفيد الركنية أيضاً.

[1] ترك الواجب يوجب دماً.
[2] الصَّفا: جمع صَفَاة وهو الحجر الأملس، والمروة: حجر أبيض برّاق، والمراد مكانان هناك بجوار المسجد الحرام من الجهة الشرقية.
[3] البقرة: 158.
[4] الدارقطني: ج [2] / ص 255.
وقت الرمي:
أ - في يومي التشريق الأول والثاني: من الزوال لكل يوم إلى الغروب سنة، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي - على راحلته - يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) [1] .
ومن بعد الغروب حتى طلوع شمس اليوم الذي يليه من أيام التشريق: مكروه، لكن يعتبر أداء.
أما من طلوع الشمس في اليوم الثالث إلى غروبها فيعتبر قضاء، فأخره إلى بعد الغروب سقط عنه وعليه دم.
ب - في اليوم الثالث من أيام التشريق: من طلوع فجره إلى الغروب، إلا أنه يكره قبل الزوال.

[1] أبو داود: ج [2] / كتاب المناسك باب 78/1971.
وقته:
يجب أن يقع السعي بعد طواف معتد به، والأفضل أن يقع بعد طواف الإفاضة لترتيب الواجب على الركن. ويجوز إيقاعه بعد طواف القدوم أو طواف نفل لأهل مكة ومن هم داخل الميقات (لأنه لا طواف قدوم عليهم) ولا يعيده بعد الإفاضة ترخيصاً للمسلمين.
واجبات السعي:
-1 - أن يبدأ الساعي بالصفا، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلما دنا من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا) [1] . فلو عكس الترتيب لم تحسب المرة الأولى.
-2 - أن يسعى سبعة أشواط، ويحسب ذهابه من الصفا إلى المروة مرة، والإياب مرة أخرى. لما روي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعاً) [2] .
-3 - أن يسعى ماشياً، فلو ركب أو حُمل لغير عذر وجب عليه دم كمن ترك السعي أصلاً.

[1] مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19/147.
[2] أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 56/1903.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح    الجزء : 1  صفحة : 189
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست