اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 120
ثالثاً - حالة من عجز عن السجود:
إذا عجز عن السجود وكان قادراً على الركوع، أو قادراً على القيام والركوع، أومأ بالاثنين قاعداً، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة، فرمى بها، فأخذ عوداً يصلي عليه فرمى به، وقال: إن استطعت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأومي إيماءً واجعل السجود أخفض من الركوع) [1] . فإن لم يخفض أكثر من الركوع بحيث جعل الركوع والسجود سواء لم تصح صلاته لفقد السجود حقيقة وحكماً مع القدرة.
ولا يرفع وجهه إلى خشبة أو غيرها للسجود عليها، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استطاع منكم أن يسجد فليسجد، ومن لم يستطع فلا يرفع إلى جبهته شيئاً يسجد عليه ولكن ركوعه وسجوده يومئ إيماءً) [2] .
ومن كان في أنفه وجبهته عذر يصلي بالإيماء، ولا يلزمه تقريب الجبهة إلى الأرض إلى أقصى ما يمكنه. [1] مجمع الزوائد: ج 2 / ص 148، رواه أبو يعلى والبزار. [2] مجمع الزوائد: ج 2 / ص 149، رواه الطبراني في الأوسط.
رابعاً - حالة من عجز عن القعود أو تعسر عليه:
إذا عجز عن القعود ولو متكئاً أو مستنداً، أو تعسّر عليه القعود لوجود ألم، أومأ مستلقياً على قفاه أو على جنبه الأيمن وإلا فعلى الأيسر. والأفضل الاستلقاء على قفاه، لأن التوجه إلى القبلة فيه أكثر، ويجعل تحت رأسه وسادة ليتمكن من الإيماء. لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصلي المريض قائماً إن استطاع، فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقياً ورجلاه مما يلي القبلة) [1] .
وينبغي للمريض نصب ركبتيه إن قدر حتى لا يمد رجليه إلى القبلة. ولا تجوز صلاته مضطجعاً إن كان قادراً على القعود مستنداً. [1] الدارقطني: ج 2 / ص 42.
ثانياً - حالة من تعذر عليه الركوع والسجود:
إذا تعذر عليه الركوع والسجود، سواء تعذر عليه القيام أو كان قادراً عليه، وقدر على القعود ولو مستنداً، صلى قاعداً بالإيماء للركوع والسجود برأسه - وهو أفضل من إيمائه قائماً لو قدر عليه - وجعل إيمائه للسجود أخفض من الركوع. لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه، وذكر الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن استطعت أن تسجد على الأرض وإلا فأومِ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك) [1] . ولا يجزئه الإيماء مضطجعاً.
ولو صلى مومياً ثم استطاع أن يتم الركوع أو السجود ولو قاعداً، لا يبني بل يستأنف لما فيه من بناء القوي على الضعيف. [1] مجمع الزوائد: ج 2 / ص 148، رواه الطبراني في الكبير. والإيماء طأطأة الرأس.
أولاً - حالة المريض الذي تعذر عليه القيام أو تعسر:
-1 - إذا تعذر عليه كل القيام أي لم يستطع القيام قطعاً، أو استطاع القيام بصعوبة، لوجود ألم شديد، أو خاف زيادة المرض، أو بطء البرء، بغلبة الظن أو بإخبار طبيب مسلم حاذق صلى قاعداً بركوع وسجود. لما روى عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) [1] .
-2 - إذا قدر على القيام قام بقدر إمكانه بلا زيادة مشقة ولو بالتحريمة وقراءة آية.
-3 - ومن عجز عن القيام بخروجه للجماعة وقدر عليه في بيته، صلى في بيته منفرداً وبه يفتى.
-4 - أما المعذور الذي يستمسك عذره بالقعود ويسيل بالقيام، أو يستمسك بالإيماء ويسيل بالسجود، يترك القيام والسجود ويصلي قاعداً ومومياً.
-5 - وإذا افتتح المكلف صلاته صحيحاً وعرض له مرض أثنائها يتمها بما قدر عليه، ولو أتمها بالإيماء على المشهور. [1] البخاري: ج 2 / كتاب تقصير الصلاة باب 19/1066.
خامساً - حالة من تعذر عليه الإيماء مستلقياً:
إذا تعذر عليه الإيماء مستلقياً: أخرت عنه الصلاة القليلة، وهي خمس صلوات اتفاقاً، فإذا زادت عن ذلك فعلى قولين: الأول: يقضيها إن كان يفهم مضمون الخطاب وإلا تسقط عنه. والثاني: تسقط عنه مطلقاً (وهو قول صاحب الهداية) لأن العاجز عن الإيماء برأسه لا يومئ بعينيه ولا بقلبه ولا بحاجبيه، لأن السجود يتعلق بالرأس لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: (يصلي المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه) . وقد اختلفوا فيما يقصد بقبول العذر منه، فمنهم من فسره بقبول عذر التأخير فقال بلزوم القضاء، ومنهم من فسره بقبول عذر الإسقاط فقال بعدم القضاء وهم الأكثرون.
ويلحق الإغماء الجنون بالمرض، فمن جُنّ أو أغمي عليه مقدار خمس صلوات لا يقضي ما فاته إن خرج وقت السادسة. أما النوم فلا يسقط به شيء، فمن نام عن صلوات يقضيها اتفاقاً.
إسقاط الصلاة والصوم:
-1 - إذا مات المريض العاجز عن الإيماء قبل أن يتمكن من قضاء ما فاته سقطت عنه وليس عليه أو يوصي بفدية عنها. وكذا لو مات من أفطر لسفر أو مرض قبل أن يقيم أو يشفى لعدم إدراكهما عدة من أيام أُخَر.
-2 - إذا مات من فاتته صلوات بلا عذر أو تركها بعذر وكانت أقل من يوم وليلة ومرَّ من الزمن ما يستطيع القضاء فيه ولم يقض، وكذا من أفطر في رمضان لسفر أو مرض ثم أقام أو شفي ومرَّ من الزمن ما يمكنه القضاء فيه ولم يفعل، فعليه أن يوصي بفدية عن كل فرض حتى الوتر (لأنه فرض عملي) وكذا عن صوم كل يوم أيضاً. وقد ورد النص في الصوم. والصلاة كالصيامِ باستحسان المشايخ لكونها أهم.
أما ماهية الفدية فهي إطعام مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو دقيق، أو صاعٍ من تمر أو زبيب أو شعير أو قيمته وهي أفضل. ويجوز إعطاء فدية الصلاة والصيام لواحد من الفقراء جملة، بخلاف كفارة اليمين حيث لا يجوز أن يُدْفَع للواحد أكثر من نصف صاع في اليوم للنص على العدد فيها.
ويخرج الوارث ما أوصى به الميت من ثلث ماله، ولا يُكلَّف بدفع ما زاد عن الثلث، ولو مات ولم يوصِ فتبرع وارثه أو أجنبي جاز، وتسقط عنه الفريضة بفضل الله وعفوه على قول الإمام.
ولا يصح أن يصوم الولي ولا غيره عن الميت كما لا يصح أن يصلي أحد عنه لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من الحنطة" [1] .
أما لو صلى وصام ووهب ثواب صلاته وصيامه لأبيه أو غيره فيصح ولكن لا تسقط الفريضة عن المتوفى. [1] الجوهر النقي ذيل السنن الكبرى للبيهقي: ج 4 / ص 257.
اسم الکتاب : فقه العبادات على المذهب الحنفي المؤلف : الحلبي، نجاح الجزء : 1 صفحة : 120