responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي المؤلف : الزيلعي ، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 46
مَا رَأَى جَوَازَ الْمَسْحِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا فِي الْكَافِي فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت: هَذِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ بِإِتْيَانِ الْعَزِيمَةِ، إذْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ، قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ وَالْغُسْلِ وَإِذَا نُزِعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً.
(قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ) وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءُ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَلَوْلَا أَنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ لَمَا بَطَلَ بِغُسْلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ، وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ، وَدَلِيلُهَا أَنْ يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ وَهِيَ غَيْرُ مُبَاحَةٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ كَالْعَفْوِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهِيَ نَوْعَانِ: إحْدَاهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْأُخْرَى مَجَازٌ، فَالْحَقِيقَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَخَفُّ مِنْ الْآخَرِ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَتَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ وَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَقِيقَةِ مَا يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ كَفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَأَمَّا الْمَجَازُ فَنَوْعَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا أَتَمُّ وَهُوَ مَا وُضِعَ عَنَّا مِنْ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمَجَازِ مَا سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ بِخُرُوجِ السَّبَبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ فِي حَقِّهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ كَقَصْرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَسُقُوطِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ فِي السِّلْمِ وَسُقُوطِ غَسْلِ الرِّجْلِ مَعَ الْخُفِّ وَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ وَفِي جَعْلِهِمْ مَسْحَ الْخُفِّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نَظَرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَاسِحُ امْرَأَةً لِاتِّحَادِ الْخِطَابِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَقِّ الْآخَرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى التَّخْصِيصِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا جُنُبًا) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمَسْحُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ»؛ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْحَرَجِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَلَا حَرَجَ فِي الْجَنَابَةِ لِعَدَمِ التَّكْرَارِ وَصُورَةُ مَا يَكُونُ جُنُبًا أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، ثُمَّ يَجْنُبُ وَهُوَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ.
وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَجْنَبَ فِي الْمُدَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ وَالْمَعْذُورِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحِلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخْذِ وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ انْتَهَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ) فَيَصِيرُ كَتَرْكِ السَّفَرِ لِقَصْدِ الْأَحْمَزِ أَيْ الْأَشَقِّ بِالْإِتْمَامِ اهـ.
(قَوْلُهُ: مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْعَزِيمَةَ وَهُوَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الرَّازِيّ الطَّهْرَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الدَّقَائِقِ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْعَزِيمَةِ عَدَمُ لُزُومِهَا لَا عَدَمُ جَوَازِهَا وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِي الْخُفِّ لِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) أَيْ وَهِيَ مَا لَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ.
(قَوْلُهُ: إحْدَاهُمَا) أَيْ وَهُوَ مَا بَقِيَ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَةُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: وَتَنَاوَلَ) أَيْ بِالْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَقِيقَةِ) وَهُوَ مَا بَقِيَ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ دُونَ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا) وَهُوَ مَا لَمْ تَكُنْ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً أَصْلًا لَا فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا بَقِيَ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيَّاعُ الْعَسَلِ وَصَفْوَانُ هَذَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ أَوْ الْوُضُوءِ الْمُقَارِنِ هُوَ أَوْ اللُّبْسِ لِلْحَدَثِ بَعْدَ الْوَقْتِ كَانَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْقَدَمِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ حَلَّ بِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ حَالَ ذَلِكَ الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَمْسُوحِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْخُفِّ مَانِعًا شَرْعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ الَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَهُ إلَى الْقَدَمَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ بِالْقَدَمَيْنِ لَا يَمْسَحُ فَلَوْ اعْتَبَرَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ رَافِعًا لِمَا بِالْقَدَمِ لَجَازَ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْعَ عَلَى التَّيَمُّمِ بِكَوْنِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا كَاَلَّتِي بِالْمَاءِ مَا بَقِيَ الشَّرْطُ اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا كُنَّا سَفَرًا) جَمْعُ مُسَافِرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ) أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَتَيَمَّمَ) الْحَاصِلُ أَنَّ خُفَّ الْمُسَافِرِ لَوْ مَنَعَ مِنْ حُلُولِ الْجَنَابَةِ بِقَدَمَيْهِ لَجَازَ لَهُ الْمَسْحُ إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ الْجَنَابَةِ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ لَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَحَلَّ الْجَنَابَةِ بِقَدَمَيْهِ، ثُمَّ زَالَتْ بِالتَّيَمُّمِ لَكِنَّ زَوَالَهَا بِهِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِكَوْنِ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ ضَرُورِيَّةً وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ فَكَأَنَّهُ لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَاللُّبْسُ بَعْدَهُ لَا يُبِيحُ الْمَسْحَ إذَا تَوَضَّأَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ

اسم الکتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي المؤلف : الزيلعي ، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 46
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست