responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي المؤلف : الزيلعي ، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 247
(بَابٌ الشَّهِيدُ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ (مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ، وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ)، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَكُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ طَاهِرٍ قُتِلَ ظُلْمًا، وَلَمْ يَرْتَثَّ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ، وَقَوْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَتَلُوهُ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ أَوْ رَمَوْهُ مِنْ السُّورِ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ رَمَوْا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوا سُفُنَهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ فَمَاتَ بِهِ مُسْلِمٌ كَانَ شَهِيدًا لِمَا قُلْنَاهُ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ.
وَإِنْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلْقَوْهُمْ فِي النَّارِ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إجْمَاعًا قَوْلُهُ وَبِهِ أَثَرٌ أَيْ أَثَرٌ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى الْقَتْلِ كَالْجُرْحِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ وَجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَخَارِقِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ عَادَةً إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ وَيَبُولُ الْجَبَانُ دَمًا وَصَاحِبُ الْبَاسُورِ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ دُبُرِهِ، وَقَدْ يَمُوتُ الْجَبَانُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ فَزَعًا، وَكَوْنُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِقَتْلِهِ بِلَا إصَابَةٍ فَلَمْ يَقَعْ مَقَامَ الْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ فَإِنْ ارْتَقَى مِنْ الْجَوْفِ، وَكَانَ صَافِيًا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ رُعَافٌ خَرَجَ مِنْ جَانِبِ الْفَمِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ جَامِدًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ احْتَرَقَتْ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ أَيْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ أَوْ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ شَخْصًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ وَيُلِحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ فَإِنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ. اهـ كَمَالٌ.

[بَابٌ الشَّهِيدُ]
الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَمَّا كَانَ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ يَلِيقُ إيرَادُ بَابِ الشَّهِيدِ بَعْدَ الْجَنَائِزِ أَوْ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الشَّهِيدِ إلَى الْمَيِّتِ كَنِسْبَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] فَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْمَيِّتِ الْمُطْلَقِ عَقَّبَهُ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمَيِّتِ الْمُقَيَّدِ أَيْضًا كَذَا فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَ الشَّهِيدَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُخَالِفُ حُكْمَ سَائِرِ الْمَوْتَى فِي حَقِّ التَّكْفِينِ وَالْغُسْلِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالسِّلَاحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ، وَلَا يُغَسَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ) أَيْ تَشْهَدُ مَوْتَهُ فَهُوَ مَشْهُودٌ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ) أَوْ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ قَالَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا إلَخْ)، وَلَوْ قُتِلَ بِشَيْءٍ لَا يُوصَفُ بِالظُّلْمِ كَمَا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ أَوْ سَقَطَ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ. اهـ طَحَاوِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ظُلْمًا مَا نَصُّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ قَتِيلُ الْحَسَكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَسَّلَ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ تَسْبِيبٌ لِلْقَتْلِ قُلْنَا مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ يَكُونُ تَسْبِيبًا وَمَا لَا فَلَا، وَهُمْ قَصَدُوا بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: كَالْجُرْحِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ جَرَحَهُ جَرْحًا وَالِاسْمُ الْجُرْحُ بِالضَّمِّ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْجُرْحِ أَوْ رَضٍّ ظَاهِرٍ. اهـ. كَمَالٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ ظَهَرَ الدَّمُ مِنْ الْفَمِ فَقَالُوا إنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا غُسِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ مِنْ جِرَاحَةٍ فِيهِ فَلَا يُغْسَلُ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُرْتَقِيَ مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ عَلَقًا فَهُوَ سَوْدَاءُ بِصُورَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ حِينَئِذٍ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا يَصْعَدُ مِنْ الْجَوْفِ لَا يَكُونُ صَافِيًا أَلْبَتَّةَ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إلَخْ) وَكَانَ مُرْتَقِيًا مِنْ الْجَوْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَخْصًا) يَعْنِي أَوْ قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُ ذَلِكَ الشَّخْصِ ابْنُ الْقَاتِلِ. اهـ. كَذَلِكَ بِخَطِّ الشَّارِحِ حَانُوتِيٌّ (فَرْعٌ)، وَإِذَا قُتِلَ فِي قِتَالٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ. الثَّانِي فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ. الثَّالِثُ فِي الْقِتَالِ مَعَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ مِنْ هَذَا بَعْدَ أَنْ قُتِلَ بِفِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْعَدُوِّ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَارٍ أَوْ قُتِلَ مِنْ وَطْءِ دَوَابِّهِمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ أَوْ بِالتَّسَبُّبِ لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يَجِبُ فِيهِ مَالٌ فَيَكُونُ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. بَدَائِعُ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ») قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ حَدِيثًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَإِنَّمَا مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ». اهـ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الْبَائِعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْجَنَّةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] وَالْبَاءُ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَتَكُونُ الْجَنَّةُ ثَمَنًا، وَقَدْ عُرِفَ

اسم الکتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي المؤلف : الزيلعي ، فخر الدين    الجزء : 1  صفحة : 247
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست