responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 97
الْأَكْلُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا حَبَلُ الْمَرْأَةِ وَإِرْضَاعُهَا: إذَا خَافَتَا الضَّرَرَ بِوَلَدِهِمَا فَمُرَخَّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَيْنَ الْمَرَضِ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَكَانَ ذِكْرُ الْمَرَضِ كِنَايَةً عَنْ أَمْرٍ يَضُرُّ الصَّوْمُ مَعَهُ.
وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ رُخْصَةِ الْإِفْطَارِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يُفْطِرُ الْمَرِيضُ، وَالْحُبْلَى إذَا خَافَتْ أَنْ تَضَعَ وَلَدَهَا، وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتْ الْفَسَادَ عَلَى وَلَدِهَا» .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحُبْلَى، وَالْمُرْضِعِ الصِّيَامَ» وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ، وَالْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْحَسَنِ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ وَلَا يَفْدِيَانِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمُجَاهِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إنَّهُمَا يَقْضِيَانِ وَيَفْدِيَانِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، وَالْحَامِلُ، وَالْمُرْضِعُ يُطِيقَانِ الصَّوْمَ فَدَخَلَتَا تَحْتَ الْآيَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184] الْآيَةُ، أَوْجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ الْقَضَاءَ فَمَنْ ضَمَّ إلَيْهِ الْفِدْيَةَ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ غَيْرَهُ دَلَّ أَنَّهُ كُلُّ حُكْمٍ لِحَادِثَةٍ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ صُورَةَ الْمَرَضِ بَلْ مَعْنَاهُ.
وَقَدْ وُجِدَ فِي الْحَامِلِ، وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدِهِمَا فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ الْآيَةِ، فَكَانَ تَقْدِيرُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184] فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِهِ مَعْنًى يَضُرُّهُ الصَّوْمُ أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] فَقَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ إنَّ لَا مُضْمَرَةٌ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ " وَعَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ، وَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] أَيْ: لَا تَضِلُّوا فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ وَلَا يُطِيقُونَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ فِيهَا شَرْعُ الْفِدَاءِ مَعَ الصَّوْمِ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ دُونَ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَقَدْ نُسِخَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتْمًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَعِنْدَهُ يَجِبُ الصَّوْمُ، وَالْفِدَاءُ جَمِيعًا دَلَّ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ لَوْ وَجَبَتْ إنَّمَا تَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ، وَمَعْنَى الْجَبْرِ يَحْصُلُ بِالْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ.

وَأَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ الشَّدِيدُ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ: فَمُبِيحٌ مُطْلَقٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا كِبَرُ السِّنِّ حَتَّى يُبَاحَ لِلشَّيْخِ الْفَانِي أَنْ يُفْطِرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُطِيقِ لِلصَّوْمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَهُوَ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ خِلَافُ إجْمَاعِ السَّلَفِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبُوا الْفِدْيَةَ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي، فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ الشَّيْخُ الْفَانِي إمَّا عَلَى إضْمَارِ حَرْفِ لَا فِي الْآيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِمَّا عَلَى إضْمَارِ كَانُوا أَيْ: وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ " أَيْ: الصَّوْمَ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ لَمَّا فَاتَهُ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى الْجَابِرِ وَتَعَذَّرَ جَبْرُهُ بِالصَّوْمِ فَيُجْبَرُ بِالْفِدْيَةِ، وَتُجْعَلُ الْفِدْيَةُ مِثْلًا لِلصَّوْمِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ كَالْقِيمَةِ فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَمِقْدَارُ الْفِدْيَةِ مِقْدَارُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مِقْدَارَ مَا يُطْعِمُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ.
ثُمَّ هَذِهِ الْأَعْذَارُ كَمَا تُرَخِّصُ، أَوْ تُبِيحُ الْفِطْرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تُرَخِّصُ، أَوْ تُبِيحُ فِي الْمَنْذُورِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ وَقْتُ الصَّوْمِ وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الصَّوْمَ، أَوْ يَسْتَطِيعُ مَعَ ضَرَرٍ أَفْطَرَ وَقَضَى.

وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ.
فَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَيَتَعَلَّقُ بِفَسَادِهِ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، أَمَّا وُجُوبُ الْقَضَاءِ: فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْإِفْسَادِ سَوَاءٌ كَانَ صُورَةً وَمَعْنًى، أَوْ صُورَةً لَا مَعْنًى، أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، وَسَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ فَيَسْتَدْعِي فَوَاتَ الصَّوْمِ لَا غَيْرَ، وَالْفَوَاتُ يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ الْإِفْسَادِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الْجَبْرِ بِالْقَضَاءِ، لِيَقُومَ مَقَامَ الْفَائِتِ فَيَنْجَبِرُ الْفَوَاتُ مَعْنًى.
وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِإِفْسَادٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْإِفْطَارُ الْكَامِلُ بِوُجُودِ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 97
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست