responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 9
وَأَرْبَعُونَ شَاةً فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَفْضُلُ عَنْ الْغَنَمِ يُصْرَفُ إلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ زَكَاةً، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ، وَتَبِيعٌ وَسْطٌ يُصْرَفُ إلَى الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْهَا يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ فَالْمَدَارُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لِلزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى عُرُوضِ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ إلَى الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِمَّا يُسْتَحْدَثُ فِي الْعُرُوضِ سَاعَةً فَسَاعَةً فَأَمَّا الْعَقَارُ فَمِمَّا لَا يُسْتَحْدَثُ فِيهِ الْمِلْكُ غَالِبًا فَكَانَ فِيهِ مُرَاعَاةُ النَّظَرِ لَهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمَالِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمَالِ فَمِنْهَا: الْمِلْكُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ تَمْلِيكًا وَالتَّمْلِيكُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يُتَصَوَّرُ.
وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْعَدُوُّ وَأَحْرَزُوهُ بِدَرَاهِمَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ عِنْدَنَا فَزَالَ مِلْكُ الْمُسْلِمِ عَنْهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْلِمِ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ قَائِمٌ وَإِنْ زَالَتْ يَدُهُ عَنْهُ، وَالزَّكَاةُ وَظِيفَةُ الْمِلْكِ عِنْدَهُ.

وَمِنْهَا الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ رَقَبَةً وَيَدًا وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: " الْيَدُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ " وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمَا.
وَتَفْسِيرُ مَالِ الضِّمَارِ هُوَ كُلُّ مَالٍ غَيْرُ مَقْدُورٍ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ قِيَامِ أَصْلِ الْمِلْكِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالضَّالِّ، وَالْمَالِ الْمَفْقُودِ، وَالْمَالِ السَّاقِطِ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً، وَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ وَحَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ صَارَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ، وَالْمَالِ الْمَدْفُونِ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا خَفِيَ عَلَى الْمَالِكِ مَكَانُهُ فَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْبَيْتِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي الْمَدْفُونِ فِي الْكَرْمِ وَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ احْتِجَاجًا بِعُمُومَاتِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ بِدَلِيلِ ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ فَائِتَةً لِقِيَامِ مِلْكِهِ.
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ مَعَ عَدَمِ الْقَبْضِ، وَتَجِبُ فِي الْمَدْفُونِ فِي الْبَيْتِ فَثَبَتَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَظِيفَةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ لِلْحَالِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ لِبُعْدِ يَدِهِ عَنْهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ كَمَا فِي ابْنِ السَّبِيلِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ» وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَعِيرِ الضَّامِرِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِشِدَّةِ هُزَالِهِ مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا، وَهَذِهِ الْأَمْوَالُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا فِي حَقِّ الْمَالِكِ؛ لِعَدَمِ وُصُولِ يَدِهِ إلَيْهَا فَكَانَتْ ضِمَارًا؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورَ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ لَا يَكُونُ الْمَالِكُ بِهِ غَنِيًّا وَلَا زَكَاةَ عَلَى غَيْرِ الْغِنَى بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا، وَمَالُ ابْنُ السَّبِيلِ مَقْدُورُ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي حَقِّهِ بِيَدِ نَائِبِهِ وَكَذَا الْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِالنَّبْشِ بِخِلَافِ الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ نَبْشَ كُلِّ الصَّحْرَاءِ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ، وَكَذَا الدَّيْنُ الْمُقَرُّ بِهِ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ مَلِيًّا فَهُوَ مُمْكِنُ الْوُصُولِ إلَيْهِ.
وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمَجْحُودُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِذَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ ضَيَّعَ الْقُدْرَةَ فَلَمْ يُعْذَرْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَفْسُقُ إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى بِعِلْمِهِ فَكَانَ مَقْدُورَ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِإِقْرَارِهِ فِي السِّرِّ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجَاحِدِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً.
وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لَكِنَّهُ مُفْلِسٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْمُعْسِرِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَكَانَ ضِمَارًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمْ: لِأَنَّ الْمُفْلِسَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ وَالِاسْتِقْرَاضِ مَعَ أَنَّ الْإِفْلَاسَ مُحْتَمَلُ الزَّوَالِ سَاعَةً فَسَاعَةً إذْ الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَإِنْ كَانَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا زَكَاةَ فِيهِ فَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّفْلِيسَ عِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ زِيَادَةَ عَجْزٍ؛ لِأَنَّهُ يَسُدُّ عَلَيْهِ بَابَ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُعَامِلُونَهُ بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ عِنْدَهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَالْقَضَاءُ بِهِ بَاطِلٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ يَرَى التَّفْلِيسَ لَكِنَّ الْمُفْلِسَ قَادِرٌ فِي الْجُمْلَةِ بِوَاسِطَةِ الِاكْتِسَابِ فَصَارَ الدَّيْنُ مَقْدُورَ الِانْتِفَاعِ فِي الْجُمْلَةِ فَكَانَ أَثَرُ التَّفْلِيسِ فِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ إلَى وَقْتِ الْيَسَارِ فَكَانَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ وَدِيعَةً ثُمَّ نَسِيَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 9
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست