responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 86
الشَّافِعِيِّ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ يَحْتَجُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَعْزِمْ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ» ، وَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ رُكْنٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ لِيَصِيرَ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ انْعَدَمَتْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَمْ يَقَعْ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِلَّهِ تَعَالَى لِفَقْدِ شَرْطِهِ، فَكَذَا الْبَاقِي لِأَنَّ صَوْمَ الْفَرْضِ لَا يَتَجَزَّأُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ الْقَضَاءِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ.
وَكَذَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [البقرة: 187] إلَى قَوْله {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أَبَاحَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ، وَالْجِمَاعَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَمَرَ بِالصِّيَامِ عَنْهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " ثُمَّ " لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالصَّوْمِ مُتَرَاخِيًا عَنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَالْأَمْرُ بِالصَّوْمِ أَمْرٌ بِالنِّيَّةِ إذْ لَا صِحَّةَ لِلصَّوْمِ شَرْعًا بِدُونِ النِّيَّةِ، فَكَانَ أَمْرًا بِالصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَقَدْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَقَعُ صَوْمًا وُجِدَتْ فِيهِ النِّيَّةُ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ لِأَنَّ إتْمَامَ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ وُجُودِ بَعْضٍ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ صَامَ رَمَضَانَ فِي وَقْتٍ مُتَعَيَّنٍ شَرْعًا لِصَوْمِ رَمَضَانَ لِوُجُودِ رُكْنِ الصَّوْمِ مَعَ شَرَائِطِهِ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْأَهْلِيَّةِ، وَالْمَحَلِّيَّةِ، وَلَا كَلَامَ فِي سَائِرِ الشَّرَائِطِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ وَوَقْتُهَا وَقْتُ وُجُودِ الرُّكْنِ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَقْتَ الْغَدَاءِ الْمُتَعَارَفِ، وَالْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِأَنَّ رُكْنَ الْعِبَادَةِ مَا يَكُونُ شَاقًّا عَلَى الْبَدَنِ مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ وَهَوَى النَّفْسِ وَذَلِكَ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَقْتَ الْغَدَاءِ الْمُتَعَارَفِ، فَأَمَّا الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ: فَمُعْتَادٌ فَلَا يَكُونُ رُكْنًا بَلْ يَكُونُ شَرْطًا لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الرُّكْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ وَسِيلَةً لِلْحَالِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَنْوِيَ وَقْتَ الرُّكْنِ فَإِذَا نَوَى ظَهَرَ كَوْنُهُ وَسِيلَةً مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، وَالنِّيَّةُ تُشْتَرَطُ لِصَيْرُورَةِ الْإِمْسَاكِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ عِبَادَةٍ لَا لِمَا يَصِيرُ عِبَادَةً بِطَرِيقِ الْوَسِيلَةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ: فَهُوَ مِنْ الْآحَادِ فَلَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ لَكِنَّهُ يَصْلُحُ مُكَمِّلًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ كَقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» لِيَكُونَ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَأَمَّا صِيَامُ الْقَضَاءِ، وَالنُّذُورِ، وَالْكَفَّارَاتِ: فَمَا صَامَهَا فِي وَقْتٍ مُتَعَيَّنٍ لَهَا شَرْعًا لِأَنَّ خَارِجَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ لِلنَّفْلِ مَوْضُوعٌ لَهُ شَرْعًا إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ صَوْمًا آخَرَ بَقِيَ الْوَقْتُ مُتَعَيَّنًا لِلتَّطَوُّعِ شَرْعًا، فَلَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَهُ، فَأَمَّا هَهُنَا فَالْوَقْتُ مُتَعَيَّنٌ لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَدْ صَامَهُ لِوُجُودِ رُكْنِ الصَّوْمِ وَشَرَائِطِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ زُفَرَ فِي الْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ فَوَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ حَتْمًا.
أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَالْوَقْتُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَأَشْبَه صَوْمَ الْقَضَاءِ خَارِجَ رَمَضَانَ وَذَا لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ كَذَا هَذَا.
وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ الْعَزِيمَةُ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يُتَرَخَّصَ بِالْإِفْطَارِ، وَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ، وَالتَّيْسِيرِ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا لَمْ يُفْطِرْ وَلَمْ يَنْوِ وَاجِبًا آخَرَ بَقِيَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَقَدْ صَامَهُ فَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ كَالْمُقِيمِ سَوَاءٌ.

وَيَتَّصِلُ بِهَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ وَهُمَا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَوَقْتِ النِّيَّةِ مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ فِي يَدِ الْعَدُوِّ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ فَتَحَرَّى وَصَامَ شَهْرًا عَنْ رَمَضَانَ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ: أَنَّهُ إذَا صَامَ شَهْرًا عَنْ رَمَضَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ وَافَقَ شَهْرَ رَمَضَانَ، أَوْ لَمْ يُوَافِقْ بِأَنْ تَقَدَّمَ، أَوْ تَأَخَّرَ فَإِنْ وَافَقَ جَازَ وَهَذَا لَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَقَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَإِنْ وَافَقَ شَوَّالٌ يَجُوزُ لَكِنْ يُرَاعَى فِيهِ مُوَافَقَةُ الشَّهْرَيْنِ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ وَتَعْيِينُ النِّيَّةِ وَوُجُودُهَا مِنْ اللَّيْلِ.
وَأَمَّا مُوَافَقَةُ الْعَدَدِ فَلِأَنَّ صَوْمَ شَهْرٍ آخَرَ بَعْدَهُ يَكُونُ قَضَاءً، وَالْقَضَاءُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْفَائِتِ، وَالشَّهْرُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَأَمَّا تَعْيِينُ النِّيَّةِ وَوُجُودُهَا مِنْ اللَّيْلِ فَلِأَنَّ صَوْمَ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ؟ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا عَلَيْهِ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَعْيِينُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إذَا وَافَقَ صَوْمُهُ شَهْرَ شَوَّالٍ يَنْظُرُ إنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَشَوَّالُ كَامِلًا قَضَى يَوْمًا وَاحِدًا لِأَجْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّ صَوْمَ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 86
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست