responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 79
قَبْلَ الزَّوَالِ، أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ عَزَمَ عَلَى الصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَفْطَرَ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَصْبِحُوا يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرِينَ مُتَلَوِّمِينَ أَيْ: غَيْرَ آكِلِينَ وَلَا عَازِمِينَ عَلَى الصَّوْمِ، إلَّا إذَا كَانَ صَائِمًا قَبْلَ ذَلِكَ» فَوَصَلَ يَوْمَ الشَّكِّ بِهِ.

وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الشَّهْرَ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ بِأَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، فَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَتَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» .
وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الشَّهْرِ بِيَوْمٍ، أَوْ بِيَوْمَيْنِ يُوهِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى الشَّهْرِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الشَّهْرَ وَلَيْسَ فِيهِ وَهْمُ الزِّيَادَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ «أَنْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ» .

وَمِنْهَا صَوْمُ الْوِصَالِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ»
وَرُوِيَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ صَوْمِ الْوِصَالِ» فَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْوِصَالَ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ لَا يُفْطِرُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْفِطْرَ بَيْنَهُمَا يَحْصُلُ بِوُجُودِ زَمَانِ الْفِطْرِ، وَهُوَ اللَّيْلُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَكَلَ، أَوْ لَمْ يَأْكُلْ» وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْوِصَالِ: أَنْ يَصُومَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ دُونَ لَيْلَتِهِ، وَمَعْنَى الْكَرَاهَةِ فِيهِ: أَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُهُ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ وَيُقْعِدُهُ عَنْ الْكَسْبِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ وَقِيلَ لَهُ: إنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» أَشَارَ إلَى الْمُخَصِّصِ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ بِفَضْلِ قُوَّةِ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَنْ صَامَ سَائِرَ الْأَيَّامِ وَأَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ نَهْيِ صَوْمِ الْوِصَالِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدِي، كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا قَدْ صَامَ الدَّهْرَ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لَيْسَ لِمَكَانِ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ بَلْ لِمَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ وَيُقْعِدُهُ عَنْ الْكَسْبِ وَيُؤَدِّي إلَى التَّبَتُّلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ: فَفِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ، لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّدْبِ إلَى صَوْمِهِ، وَلِأَنَّ لَهُ فَضِيلَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ، وَالدُّعَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُرْبَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِأَنَّ فَضِيلَةَ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَيُسْتَدْرَكُ عَادَةً، فَأَمَّا فَضِيلَةُ الْوُقُوفِ، وَالدُّعَاءِ فِيهِ لَا يُسْتَدْرَكُ فِي حَقِّ عَامَّةِ النَّاسِ عَادَةً إلَّا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَكَانَ إحْرَازُهَا أَوْلَى

وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِانْفِرَادِهِ، وَكَذَا يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسِ، وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ مِنْ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ فَكَانَ تَعْظِيمُهَا بِالصَّوْمِ مُسْتَحَبًّا، وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ بِانْفِرَادِهِ، لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ، لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ، وَكَذَا صَوْمُ الصَّمْتِ وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الطَّعَامِ، وَالْكَلَامِ جَمِيعًا، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ» وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَحْدَهُ لِمَكَانِ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ عَامَّتُهُمْ، لِأَنَّهُ مِنْ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ، فَيُسْتَحَبُّ اسْتِدْرَاكُ فَضِيلَتِهَا بِالصَّوْمِ.

وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ: فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ صَوْمُ سَيِّدِنَا دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ، إذْ الطَّبْعُ أَلُوفٌ، وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا» أَيْ: أَشَقُّهَا عَلَى الْبَدَنِ، وَكَذَا صَوْمُ الْأَيَّامِ الْبِيضِ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ، مِنْهَا مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَكَأَنَّمَا صَامَ السَّنَةَ كُلَّهَا» .

" وَأَمَّا صَوْمُ الدَّيْنِ: فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا مَحَلٌّ لَهُ وَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ إلَّا سِتَّةَ أَيَّامٍ يَوْمَيْ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَيَوْمَ الشَّكِّ " أَمَّا مَا سِوَى صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ فَلِوُرُدِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ يُوجَدُ بِوُجُودِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِيهِ، وَالْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صَوْمٌ كَامِلٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ، إنَّهُ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الصِّيَامَاتِ كُلَّهَا، فَيُوجِبُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِيهِ، وَالْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَامِلٌ فَلَا يَنُوبُ النَّاقِصُ عَنْهُ.
وَأَمَّا يَوْمُ الشَّكِّ فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ يَكُونُ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ قَضَاءً، فَلَا يَكُونُ قَضَاءً مَعَ الشَّكِّ وَهَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ بِصَوْمِ يَوْمَيْ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست