responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 77
لِمَكَانِ الصَّوْمِ، لِيُقَالَ: أَيْنَمَا كَانَ الصَّوْمُ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ صَوْمُ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ إلَّا بِصِفَةِ التَّتَابُعِ، فَكَانَ لُزُومُ التَّتَابُعِ لِضَرُورَةِ تَحْصِيلِ الصَّوْمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ.
وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ: أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ وَيَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ حَيْثُ دَارَ الْفِعْلُ، وَكُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَفَوْتُ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُسْقِطُ التَّتَابُعَ وَإِنْ بَقِيَ الْفِعْلُ وَاجِبَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَعْبَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا، لَكِنَّهُ إنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهُ يَقْضِي إنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا، لِأَنَّ التَّتَابُعَ هَهُنَا لِمَكَانِ الْوَقْتِ، فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا، يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا، لَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ إلَّا بِهِ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي وَسَطِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّ التَّتَابُعَ ذُكِرَ لِلصَّوْمِ فَكَانَ الشَّرْطُ هُوَ وَصْلَ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ أَبَدًا، وَعَلَى هَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَالظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ لِعَيْنِ الصَّوْمِ لَا يَسْقُطُ أَبَدًا إلَّا بِالْأَدَاءِ مُتَتَابِعًا، وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّتَابُعُ لِأَجْلِ نَفْسِ الصَّوْمِ فَمَا لَمْ يُؤَدِّهِ عَلَى وَصْفِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَإِذَا وَجَبَ لِضَرُورَةِ قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ، أَوْ شَرْطِ التَّتَابُعِ لَوَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ، فَيَقَعُ جَمِيعُ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ بِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ بِالصَّوْمِ فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَوَقَعَ عَامَّةُ الصَّوْمِ فِيهِ، وَبَعْضُهُ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ أَقْرَبَ إلَى قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا قُلْنَا مِنْ قَضَاءِ حَقِّ الْوَقْتِ: أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا لِلصَّوْمِ لَوَجَبَ كَمَا فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ، وَكَمَا فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ، وَالْقَتْلِ، وَكَذَا لَوْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ فِي الشَّهْرِ وَصَامَ الْبَاقِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَصْلُ الْبَاقِي بِشَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى إذَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ عَنْ الْقَضَاءِ مُتَّصِلًا بِيَوْمِ الْفِطْرِ، كَمَا فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَالْإِفْطَارِ، إذَا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ شَهْرٍ عَنْهُ، إنَّهَا كَمَا طَهُرَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ، وَتُتَابِعَ، حَتَّى لَوْ تَرَكَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِقْبَالُ، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَوَّالًا مُتَّصِلًا وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا آخَرَ.
فَدَلَّ أَنَّ التَّتَابُعَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِأَجْلِ الصَّوْمِ بَلْ لِأَجْلِ الْوَقْتِ، فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الصَّوْمُ الْوَاجِبُ: فَصَوْمُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَصَوْمُ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ، وَصَوْمُ الِاعْتِكَافِ عِنْدَنَا، أَمَّا مَسْأَلَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِالشُّرُوعِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ: فَقَدْ مَضَتْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا وُجُوبُ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ: فَنَذْكُرُهُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ: فَهُوَ صَوْمُ النَّفْلِ خَارِجَ رَمَضَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ أَقْسَامِ الصِّيَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ شَرَائِطُ أَنْوَاع الصِّيَام]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يَعُمُّ الصِّيَامَاتِ كُلَّهَا: وَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْأَدَاءِ، وَنَوْعٌ يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ: وَهُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ، أَمَّا الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ فَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الصَّائِمِ وَهُوَ شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى وَقْتِ الصَّوْمِ: وَهُوَ شَرْطُ الْمَحَلِّيَّةِ، أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى وَقْتِ الصَّوْمِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْوَقْتِ، وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى وَصْفِهِ مِنْ الْخُصُوصِ، وَالْعُمُومِ، أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْوَقْتِ: فَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَذَلِكَ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي اللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْجِمَاعَ، وَالْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ فِي اللَّيَالِي إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] إلَى قَوْلِهِ: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] أَيْ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ.
هَكَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ، وَالْأَسْوَدُ هُمَا: بَيَاضُ النَّهَارِ، وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ» ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ فَكَانَ هَذَا تَعْيِينًا: لِلَّيَالِيِ الْفِطْرُ، وَالنَّهَارُ لِلصَّوْمِ، فَكَانَ مَحَلُّ الصَّوْمِ هُوَ الْيَوْمُ لَا اللَّيْلُ، وَلِأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي لَهَا شُرِعَ الصَّوْمُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا: مِنْ التَّقْوَى، وَتَعْرِيفِ قَدْرِ النِّعَمِ، الْحَامِلُ عَلَى شُكْرِهَا لَا يَحْصُلُ بِالصَّوْمِ فِي اللَّيْلِ لَانَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلٍ شَاقٍّ عَلَى الْبَدَنِ مُخَالِفٍ لِلْعَادَةِ وَهَوَى النَّفْسِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالْإِمْسَاكِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ فَلَا يَكُونُ اللَّيْلُ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ.

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى وَصْفِهِ مِنْ الْخُصُوصِ، وَالْعُمُومِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ: فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا مَحَلٌّ لَهُ عِنْدَنَا، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَجُوزُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 77
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست