responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 70
لَهُمَا مَالٌ وَيُخْرِجُهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ أَدَّى الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِهِمَا لَا يَضْمَنَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَضْمَنَانِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَاتُ لَا تَجِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ، وَالْمَجَانِينِ كَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَحْضَةٍ بَلْ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَأَشْبَهَتْ الْعُشْرَ، وَكَذَلِكَ وُجُودُ الصَّوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ يَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يُوجَدُ مِنْهُ الصَّوْمُ وَهُوَ الصَّغِيرُ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَة الْفِطْر]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَيَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ سَبَبِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبَيَانِ شَرْطِ الْوُجُوبِ أَمَّا شَرْطُهُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَنْ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَمَّا السَّبَبُ فَرَأْسٌ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً لِأَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً تَكُونُ فِي مَعْنَى رَأْسِهِ فِي الذَّبِّ، وَالنُّصْرَةِ فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ رَأْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى رَأْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ مَمَالِيكِهِ الَّذِينَ هُمْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ لُزُومُ الْمُؤْنَةِ وَكَمَالُ الْوِلَايَةِ مَعَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» وَسَوَاءٌ كَانُوا مُسْلِمِينَ، أَوْ كُفَّارًا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُؤَدَّى إلَّا عَنْ مُسْلِمٍ.
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا الْمَوْلَى يَتَحَمَّلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْأَدَاءِ عَنْ الْعَبْدِ، وَالْأَدَاءُ عَنْهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّحَمُّلِ فَثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بَعْدَ الْوُجُوبِ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَمِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْمَوْلَى، وَلَنَا أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْهُ وَشَرْطُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَيَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: " الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا الْمَوْلَى يَتَحَمَّلُ عَنْهُ أَدَاءَ الْوَاجِبِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ يَسْتَدْعِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لَهُ فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّحَمُّلُ، وَقَوْلُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْأَدَاءُ عَنْهُ بِالنَّصِّ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْأَدَاءَ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ بِالْأَدَاءِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ رَأْسُهُ الَّذِي يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً فَكَانَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ سَبَبِيَّةِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَمَّنْ يُؤَدِّي عَنْهُ لَا الْأَدَاءُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ فَتُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ وُجِدَتْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، أَوْ مَجُوسِيٍّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَيُخْرِجُ عَنْ مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ، أَوْلَادِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» وَهَؤُلَاءِ عَبِيدٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ، وَالْمِلْكِ فِيهِمْ.
أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمْ وَيَسْتَمْتِعَ بِالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؟ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مُكَاتَبِهِ وَلَا عَنْ رَقِيقِ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَفِي وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ قُصُورٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يُخْرِجَ فِطْرَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ رَقِيقِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ فَكَانَ فِي اكْتِسَابِهِ كَالْحُرِّ فَتَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْحُرِّ وَلَنَا أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا ضَرُورَةً.
وَأَمَّا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِأَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَضْلًا عَنْ دَيْنِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ رَقِيقِهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَيُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤَاجَرِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، وَعَبْدِهِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ، وَعَبْدِهِ الَّذِي فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ لِعُمُومِ النَّصِّ وَلِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَيُخْرِجُ عَنْ عَبْدِ الرَّهْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا إذَا كَانَ لِلرَّاهِنِ وَفَاءٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْلَى.
وَأَمَّا عَبْدُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ فَلَا يُخْرِجُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَخْرُجُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ عَبْدُ التِّجَارَةِ وَلَا فِطْرَةَ فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا، وَلَا يُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْآبِقِ وَلَا عَنْ الْمَغْصُوبِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 70
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست