responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 4
أَنْ تُبْنَى عَلَى أَصْلٍ آخَرَ نَذْكُرُهُ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوَاجِبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ سَبَبُ فَرْضِيَّةِ الزَّكَاةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا سَبَبُ فَرْضِيَّتِهَا فَالْمَالُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ، وَلِذَا تُضَافُ إلَى الْمَالِ فَيُقَالُ: زَكَاةُ الْمَالِ وَالْإِضَافَةُ فِي مِثْلِ هَذَا يُرَادُ بِهَا السَّبَبِيَّةُ كَمَا يُقَالُ: صَلَاةُ الظُّهْرِ وَصَوْمُ الشَّهْرِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ شَرَائِطُ فَرْضِيَّةِ الزَّكَاةِ]
[الشَّرَائِط الَّتِي ترجع عَلَى مِنْ عَلَيْهِ الْمَال]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ الْفَرْضِيَّةِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَالِ.
أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ فَأَنْوَاعٌ أَيْضًا مِنْهَا إسْلَامُهُ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى الْكَافِرِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِشَرَائِعَ هِيَ عِبَادَاتٌ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حَتَّى لَا يُخَاطَبَ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا مَضَى عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إذَا أَسْلَمَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَيُخَاطَبُ بِأَدَائِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّلَاةُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّهُ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَدَاءِ بِوَاسِطَةِ الطَّهَارَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُخَاطَبَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الْأَدَاءُ رَحْمَةً عَلَيْهِ وَتَخْفِيفًا لَهُ.
وَالْمُرْتَدُّ لَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ بَعْدَ مَا عَرَفَ مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَكَانَ كُفْرُهُ أَغْلَظُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ.
(وَلَنَا) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَدَاءِ بِتَقْدِيمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِيمَانُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ وَالْعِبَادَاتِ تَوَابِعُ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْفِعْلُ عِبَادَةً بِدُونِهِ، وَالْإِيمَانُ عِبَادَةٌ بِنَفْسِهِ.
وَهَذِهِ آيَةُ التَّبَعِيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ الْإِيمَانُ عَنْ الْخَلَائِقِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعَ ارْتِفَاعِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ هُوَ عِبَادَةً بِنَفْسِهِ وَغَيْرُهُ عِبَادَةً بِهِ فَكَانَ تَبَعًا لَهُ فَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ الْإِيمَانِ جَعَلَ التَّبَعَ مَتْبُوعًا وَالْمَتْبُوعَ تَابِعًا وَهَذَا قَلْبُ الْحَقِيقَةِ، وَتَغْيِيرُ الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مَعَ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَصْلٌ وَالطَّهَارَةَ تَابِعَةٌ لَهَا فَكَانَ إيجَابُ الْأَصْلِ إيجَابًا لِلتَّبَعِ وَهُوَ الْفَرْقُ.

وَمِنْهَا الْعِلْمُ بِكَوْنِهَا فَرِيضَةً عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَلَسْنَا نَعْنِي بِهِ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بَلْ السَّبَبَ الْمُوصِلَ إلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَمَكَثَ هُنَاكَ سِنِينَ وَلَهُ سَوَائِمُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالشَّرَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا حَتَّى لَا يُخَاطَبَ بِأَدَائِهَا إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا بَلَّغَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْعَدَدِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

وَمِنْهَا الْبُلُوغُ عِنْدَنَا فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا: " لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ " وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَيُؤَدِّيهَا الْوَلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: يُحْصِي الْوَلِيُّ أَعْوَامَ الْيَتِيمِ فَإِذَا بَلَغَ أَخْبَرَهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ لَكِنْ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ الْأَدَاءِ.
وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَتَّى قَالَ: " لَوْ أَدَّاهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ ضُمِنَ " وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ بَنَى الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عِنْدَنَا، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَقُّ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَلَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً فَهِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ تُجْرَى فِيهَا النِّيَابَةُ حَتَّى تَتَأَدَّى بِأَدَاءِ الْوَكِيلِ، وَالْوَلِيُّ نَائِبُ الصَّبِيِّ فِيهَا فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي إقَامَةِ هَذَا الْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا ابْتِدَاءً.
أَمَّا الْكَلَامُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ فَوَجْهُ قَوْلِهِ: النَّصُّ، وَدَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ، وَالْحَقِيقَةُ أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25] وَالْإِضَافَةُ بِحَرْفِ اللَّامِ تَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِجِهَةِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَأَمَّا دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ فَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا وَهَبَ جَمِيعَ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَالْعِبَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ وَلِذَا يُجْرَى فِيهَا الْجَبْرُ وَالِاسْتِحْلَافُ مِنْ السَّاعِي

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 4
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست