responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 330
[فَصْلٌ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ]
فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مَا يَبْطُلُ بِهِ، فَهَذَا الْخِيَارُ يَبْطُلُ بِالْإِبْطَالِ نَصًّا، وَدَلَالَةً مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي خِيَارِ الْإِدْرَاكِ، وَيَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ بَلْ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِرِضَاهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ ازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، فَتَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ، وَلَا بُدَّ لِلتَّأَمُّلِ مِنْ زَمَانٍ، فَقُدِّرَ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ.
وَخِيَارُ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ مِنْ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ بِالْبُلُوغِ مَا ازْدَادَ الْمِلْكُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأَمُّلِ، فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا لِلتَّأَمُّلِ، فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا، وَفِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ثَبْتُ الْمَجْلِسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا ازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا جَعَلَهَا الْعَقْدُ السَّابِقُ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ النِّكَاحِ، فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا حَتَّى وَقْتِ الْفُرْقَةِ كَانَتْ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا تَفْتَقِرُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ، وَأَمَّا بَقَاءُ الزَّوْجِ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ، فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ لَازِمًا حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ، وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ، وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِإِيفَاءِ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ، وَالنَّفَقَةِ، فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ، وَهُوَ التَّفْرِيقُ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَقَدْ فَاتَ الْعِوَضُ بِالْعَجْزِ، فَلَا يَبْقَى النِّكَاحُ لَازِمًا كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعِيبًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فَوَاتَ الْعِوَضِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ لَازِمًا، فَكَذَا، فَوَاتُ الْمُعَوَّضِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ.
(وَلَنَا) أَنَّ التَّفْرِيقَ إبْطَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَهَذَا فِي الضَّرَرِ، فَوْقَ ضَرَرِ الْمَرْأَةِ بِعَجْزِ الزَّوْجِ عَنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ الْفَرْضَ، وَيَأْمُرُهَا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ، وَبِالِاسْتِدَانَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَى وَقْتِ الْيَسَارِ، فَتَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْ إذَا أَيْسَرَ الزَّوْجُ، فَيَتَأَخَّرُ حَقُّهَا إلَى يَسَارِ الزَّوْجِ وَلَا يَبْطُلُ، وَضَرَرُ الْإِبْطَالِ فَوْقَ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ بِخِلَافِ التَّفْرِيقِ بِالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ؛ وَلِأَنَّ هُنَاكَ الضَّرَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا ضَرَرُ إبْطَالِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ يَفُوتُ عَنْ الْوَطْءِ، وَضَرَرُهَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ كَثِيرُ ضَرَرٍ لِعَجْزِهِ عَنْ الْوَطْءِ.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّهَا مَحَلٌّ صَالِحٌ لِلْوَطْءِ، فَلَا يُمْكِنُهَا اسْتِيفَاءُ حَظِّهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ، وَلَا مِنْ زَوْجٍ آخَرَ لِمَكَانِ هَذَا الزَّوْجِ، فَكَانَ الرُّجْحَانُ لِضَرَرِهَا، فَكَانَ أَوْلَى بِالدَّفْعِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، فَقَدْ قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ أَنْ يُرَاجِعَهَا عَلَى قَصْدِ الْإِمْسَاكِ، وَالتَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ هُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَعَ مَا أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] ، فَالْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ عَنْ النَّفَقَةِ بِالْتِزَامِ النَّفَقَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ إذَا كَانَ قَادِرًا، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالتَّطْلِيقِ مَعَ إيفَاءِ حَقِّهَا فِي نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفَقَةِ الْحَالِ، فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ التَّسْرِيحِ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّفْرِيقَ بِإِبْطَالِ النِّكَاحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّفْرِيقَ، وَالتَّبْعِيدَ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ، وَهُوَ تَخْلِيَةُ السَّبِيلِ، وَإِزَالَةُ الْيَدِ إذْ حَقِيقَةُ التَّسْرِيحِ هِيَ التَّخْلِيَةُ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِإِزَالَةِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ، وَعِنْدَنَا لَا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةُ الْحَبْسِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ النَّفَقَةُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ فَمَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْعِوَضَ مَا يَكُونُ مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ نَصًّا، وَالنَّفَقَةُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، فَلَا تَكُونُ عِوَضًا بَلْ هِيَ بِمُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ.
وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الِاحْتِبَاسِ تَزُولُ عِنْدَ الْعَجْزِ، ثُمَّ إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِوَضٌ لَكِنَّ بَقَاءَ الْمُعَوَّضِ مُسْتَحِقًّا يَقِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ فِي الْجُمْلَةِ لَا عَلَى وُصُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ، وَالنَّفَقَةُ هَهُنَا مُسْتَحَقَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَيْهَا لِلْحَالِ، فَيَبْقَى الْعِوَضُ حَقًّا لِلزَّوْجِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ بَيَانُ حُكْمِ النِّكَاحِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ النِّكَاحِ، فَنَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي الْأَصْلِ أَحَدِهِمَا:

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 330
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست