responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 293
يُتَصَوَّرُ مِنْهُ السَّحْقُ وَالْإِيلَادُ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَلَا تَرَى لَوْ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتَحَقَّتْ كَمَالَ الْمَهْرِ إنْ طَلَّقَهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْوَطْءُ الْمُطْلَقُ فَيُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ ارْتِفَاعُ الْمَانِعِ مِنْ وَطْءِ مِثْلِهِ فَتَصِحُّ خَلْوَتُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إذَا صَحَّتْ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ فَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهَا.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ يُنْزِلُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ قَدْ يَقْذِفُ بِالْمَاءِ فَيَصِلُ إلَى الرَّحِمِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ وَوَجَبَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثَبَاتِ النَّسَبِ يَكُونُ حُكْمًا بِالدُّخُولِ فَيَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْزِلُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَالْمُعْتَدَّةِ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ يَمْنَعَانِ مِنْهُ طَبْعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا أَذًى، وَالطَّبْعُ السَّلِيمُ يَنْفِرُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْأَذَى.
وَأَمَّا فِي غَيْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقَدْ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ.
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ نَفْلَ الصَّوْمِ كَفَرْضِهِ فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يُحَرِّمُ الْفِطْرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَصَارَ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ بِشْرٍ أَنَّ صَوْمَ غَيْرِ رَمَضَانَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ لَا غَيْرَ فَلَمْ يَكُنْ قَوِيًّا فِي مَعْنَى الْمَنْعِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَكَذَا حَجُّ التَّطَوُّعِ فَقَوِيَ الْمَانِعُ (وَوَجْهٌ) آخَرُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَبَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْفِطْرِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ.
وَكَذَا لُزُومُ الْقَضَاءِ بِالْإِفْطَارِ فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا بِيَقِينٍ، وَحُرْمَةُ الْإِفْطَارِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَقْطُوعٌ بِهَا.
وَكَذَا لُزُومُ الْقَضَاءِ فَكَانَ مَانِعًا بِيَقِينٍ.
(وَأَمَّا) الْمَانِعُ الطَّبْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتِهِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ وَيَسْتَحِي فَيَنْقَبِضُ عَنْ الْوَطْءِ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى يَقْظَانًا أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَاقِلًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً أَوْ مَنْكُوحَتَهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى إنْ كَانَ لَا يُبْصِرُ فَيُحِسُّ وَالنَّائِمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْتَيْقِظَ سَاعَةً فَسَاعَةً، فَيَنْقَبِضُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْوَطْءِ مَعَ حُضُورِهِ، وَالصَّبِيُّ الْعَاقِلُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَحْتَشِمُ الْإِنْسَانُ مِنْهُ كَمَا يَحْتَشِمُ مِنْ الرَّجُلِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْبَهَائِمِ لَا يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْوَطْءِ لِمَكَانِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، وَالْإِنْسَانُ يَحْتَشِمُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَيَسْتَحِي.
وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِمَا فَيَنْقَبِضَانِ لِمَكَانِهَا، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْكُوحَةٌ لَهُ أُخْرَى أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فَخَلَا بِهِمَا فَلَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِمَا فَيَنْقَبِضُ عَنْهَا، وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ بِمَشْهَدِ امْرَأَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ كَانَ الثَّالِثُ جَارِيَةً لَهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يَقُولُ: أَوَّلًا تَصِحُّ خَلْوَتُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا تَصِحُّ (وَجْهُ) قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ لَهَا حُرْمَةُ الْحُرَّةِ فَلَا يَحْتَشِمُ الْمَوْلَى مِنْهَا؛ وَلِذَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِ فَلَا تَمْنَعُهُ عَنْ الْوَطْءِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ الْأَخِيرِ: أَنَّ الْأَمَةَ إنْ كَانَ يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهَا، فَتَنْقَبِضُ الْمَرْأَةُ لِذَلِكَ وَكَذَا قَالُوا: لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ بِمَشْهَدٍ مِنْهَا كَمَا لَا يَحِلُّ بِمَشْهَدِ امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى.
وَلَا خَلْوَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ وَعَلَى سَطْحٍ لَا حِجَابَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَجْمَعُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَالطَّرِيقُ مَمَرُّ النَّاسِ لَا تَخْلُو عَنْهُمْ عَادَةً، وَذَلِكَ يُوجِبُ الِانْقِبَاضَ فَيَمْنَعُ الْوَطْءَ.
وَكَذَا الصَّحْرَاءُ وَالسَّطْحُ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْقَبِضُ عَنْ الْوَطْءِ فِي مِثْلِهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْصُلَ هُنَاكَ ثَالِثٌ أَوْ يَنْظُرُ إلَيْهِ أَحَدٌ مَعْلُومٌ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ.
وَلَوْ خَلَا بِهَا فِي حَجَلَةٍ أَوْ قُبَّةٍ فَأَرْخَى السِّتْرَ عَلَيْهِ فَهُوَ خَلْوَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْبَيْتِ.
وَلَا خَلْوَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِيهِ حَرَامٌ فَكَانَ الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ قَائِمًا، وَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ مِمَّا يَتَأَكَّدُ بِهِ الْمَهْرُ، وَتَأَكُّدُهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ يَكُونُ وَلَا يَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ شَيْءٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّأَكُّدُ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 293
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست