responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 263
فَإِنَّهُنَّ يَتَقَاطَعْنَ "، وَفِي بَعْضِهَا " أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَطِيعَةَ ".
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَرَابَةِ فِي النِّكَاحِ، وَقَالُوا: إنَّهُ يُوَرِّثُ الضَّغَائِنَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ الْجَمْعَ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمَّيْنِ، وَقَالَ: لَا أُحَرِّمُ ذَلِكَ لَكِنْ أَكْرَهُهُ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَكَانِ الْقَطِيعَةِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْحُرْمَةِ، فَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِمُفْتَرَضَةِ الْوَصْلِ.
أَمَّا الْآيَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] أَيْ: مَا وَرَاءَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا مِمَّا قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ وَحْيٌ غَيْرُ مَتْلُوٍّ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مَعْلُولَةٌ بِقَطْعِ الرَّحِمِ، وَالْجَمْعُ هَهُنَا يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ، فَكَانَتْ حُرْمَةً ثَابِتَةً بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَلَمْ يَكُنْ مَا وَرَاءَ مَا حُرِّمَ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ، أَوْ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجَةٍ كَانَتْ لِأَبِيهَا وَهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا رَحِمَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَوَاتَيْ رَحِمٍ.
وَقَالَ زُفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَإِنَّا نَقُولُ: الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَيَّتُهُمَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ رَجُلًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مِنْهُمَا لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَكَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تَكُونُ بِنْتَ الزَّوْجِ فَلَمْ تَكُنْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْأُخْتَيْنِ مَعًا فَسَدَ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُمَا حَصَلَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا حُكْمَ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ وَعَلَيْهِمَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَوْضِعِهِ.
وَإِنْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى جَازَ نِكَاحُ الْأُولَى، وَفَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأُولَى لِفَسَادِ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِنِكَاحِ الثَّانِيَةِ فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ عَلَيْهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا عِدَّةَ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ الثَّانِيَةِ لِمَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا أُولَى لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي بَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا فَاسِدٌ بِيَقِينٍ - وَهِيَ مَجْهُولَةٌ - وَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَجْهُولَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِيقِ ثُمَّ إنْ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا هِيَ الْأُولَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بِصُنْعِ الْمَرْأَةِ فَكَانَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ شَيْءٌ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ كَامِلًا، وَإِنْ قَالَتَا لَا نَدْرِي أَيَّتُنَا الْأُولَى لَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِكَوْنِ الْمُدَّعِيَةِ مِنْهُمَا مَجْهُولَةً إلَّا إذَا اصْطَلَحَتْ عَلَى شَيْءٍ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى لَهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي نِكَاحِ أُخْتِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَكَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةٍ هِيَ ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَةٍ بِعَقْدٍ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَمْنَعُ صُلْبَ النِّكَاحِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ ذَوَاتَيْ الْمَحَارِمِ فَالْعِدَّةُ تَمْنَعُ مِنْهُ.
وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَالْخَامِسَةُ تَعْتَدُّ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ الطَّارِئَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ بِالدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ بِالْوَطْءِ فِي شُبْهَةٍ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ إلَّا فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلُ قَوْلِنَا نَحْوَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست