responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 258
[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ]
فَصْلٌ) :
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَالْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ أَرْبَعُ فِرَقٍ.
الْفِرْقَةُ الْأُولَى: أُمُّ الزَّوْجَةِ وَجَدَّاتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِنْ عَلَوْنَ فَيُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ زَوْجَتِهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] سَوَاءً كَانَ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجَةِ لَا تُحَرَّمُ عَلَى الزَّوْجِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِبِنْتِهَا حَتَّى إنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ.
وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلُ قَوْلِ الْعَامَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ قَوْلِهِمْ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ قَالَ: فِي الطَّلَاقِ مِثْلُ قَوْلِهِمَا وَفِي الْمَوْتِ مِثْلُ قَوْلِ الْعَامَّةِ وَجَعَلَ الْمَوْتَ كَالدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَكَذَا فِي حَقِّ التَّحْرِيمِ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] ذَكَرَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَعَطَفَ رَبَائِبَ النِّسَاءِ عَلَيْهِنَّ فِي التَّحْرِيمِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ثُمَّ عَقَّبَ الْجُمْلَتَيْنِ بِشَرْطِ الدُّخُولِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ وَالِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَقِيبَ جُمَلٍ مَعْطُوفٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ كُلُّ جُمْلَةٍ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ لَا إلَى مَا يَلِيهِ خَاصَّةً كَمَنْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ حَجُّ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا كَذَلِكَ فَيَنْصَرِفُ شَرْطُ الدُّخُولِ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِدُونِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: " وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ " كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ إذْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَالْمَعْطُوفُ يُشَارِكُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ فِي خَبَرِهِ وَيَكُونُ خَبَرُ الْأَوَّلِ خَبَرًا لِلثَّانِي كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَعْنَاهُ جَاءَنِي عَمْرٌو فَكَانَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] أَيْ: وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ عَنْ شَرْطِ الدُّخُولِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الدُّخُولَ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلِمَاتِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْكُلِّ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُمَّ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَبْهَمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ: أَطْلَقُوا مَا أَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: الْآيَةُ مُبْهَمَةٌ أَيْ مُطْلَقَةٌ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ رُوِيَ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْكُوفَةِ فَلَمَّا أَتَى الْمَدِينَةَ وَلَقِيَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَاكَرَهُمْ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَى الْكُوفَةَ نَهَى مَنْ كَانَ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّهَا وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَقَالَ: إنَّهَا وَإِنْ وَلَدَتْ وَلِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ بِنْتَهَا وَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا حَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى الضَّغِينَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْقَطِيعَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَمَا أَفْضَى إلَيْهِ يَكُونُ حَرَامًا لِهَذَا الْمَعْنَى حُرِّمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا وَبَيْنَ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا عَلَى مَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ جَانِبِ الْأُمِّ حَيْثُ لَا تُحَرَّمُ بِنْتُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ النِّكَاحِ هُنَاكَ لَا تُؤَدِّي إلَى الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ فِي ظَاهِرِ الْعَادَاتِ تُؤْثِرُ بِنْتَهَا عَلَى نَفْسِهَا فِي الْحُظُوظِ وَالْحُقُوقِ، وَالْبِنْتُ لَا تُؤْثِرُ أُمَّهَا عَلَى نَفْسِهَا مَعْلُومٌ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ.
وَإِذَا جَاءَ الدُّخُولُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَتْ مَوَدَّتُهَا لِاسْتِيفَائِهَا حَظَّهَا فَتَلْحَقُهَا الْغَضَاضَةُ فَيُؤَدِّي إلَى الْقَطْعِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 258
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست