responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 253
تَكُنْ زَانِيَةً بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى دَفْعِ تُهْمَةِ الزِّنَا عَنْهَا وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالشُّهُودِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِظُهُورِ النِّكَاحِ وَاشْتِهَارِهِ وَلَا يَشْتَهِرُ إلَّا بِقَوْلِ الشُّهُودِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي النِّكَاحِ مَا شُرِطَتْ إلَّا فِي النِّكَاحِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْدَفِعُ بِالظُّهُورِ وَالِاشْتِهَارِ لِكَثْرَةِ الشُّهُودِ عَلَى النِّكَاحِ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَبِالتَّسَامُعِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الْعُقُودِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ هُنَاكَ لِدَفْعِ احْتِمَالِ الشُّهُودِ النِّسْيَانَ أَوْ الْجُحُودَ وَالْإِنْكَارَ فِي الثَّانِي إذْ لَيْسَ بَعْدَهَا مَا يُشْهِرُهَا لِيَنْدَفِعَ بِهِ الْجُحُودُ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الدَّفْعِ بِالشَّهَادَةِ فَنُدِبَ إلَيْهَا، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ فَنَقُولُ: بِمُوجِبِهِ لَكِنَّ نِكَاحَ السِّرِّ مَا لَمْ يَحْضُرْهُ شَاهِدَانِ فَأَمَّا مَا حَضَرَهُ شَاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ عَلَانِيَةٍ لَا نِكَاحَ سِرٍّ إذْ السِّرُّ إذَا جَاوَزَ اثْنَيْنِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِرًّا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَسِرُّكَ مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ ... وَسِرُّ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ الْخَفِي
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» لِأَنَّهُمَا إذَا أَحْضَرَاهُ شَاهِدَيْنِ فَقَدْ أَعْلَنَاهُ وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ بِالدُّفِّ نَدْبٌ إلَى زِيَادَةِ عَلَانَةٍ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ -.

[فَصْلٌ صِفَاتُ الشَّاهِدِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا صِفَاتُ الشَّاهِدِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَهِيَ شَرَائِطُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ لِلنِّكَاحِ فَمِنْهَا: الْعَقْلُ وَمِنْهَا الْبُلُوغُ وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحَضْرَةِ الْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَمَالِيكِ قِنًّا كَانَ الْمَمْلُوكُ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا.
مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ أَصَّلَ فِي هَذَا أَصْلًا فَقَالَ: كُلُّ مَنْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ بِوَلَايَةِ نَفْسِهِ يَصْلُحُ شَاهِدًا فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الِاعْتِبَارُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ، وَالْوَلَايَةُ هِيَ نَفَاذُ الْمَشِيئَةِ وَهَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ وَلَايَةُ الْإِنْكَاحِ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُمْ وَلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ، إلَّا الْمُكَاتَبَ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ لَكِنْ لَا بِوَلَايَةِ نَفْسِهِ بَلْ بِوَلَايَةِ مَوْلَاهُ بِتَسْلِيطِهِ عَلَى ذَلِكَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَكَأَنَّ التَّزْوِيجَ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَا يَصْلُحُ شَاهِدًا، وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ قَبُولَ عَقْدٍ بِنَفْسِهِ يَنْعَقِدُ ذَلِكَ الْعَقْدُ بِحُضُورِهِ وَمَنْ لَا فَلَا، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ شَرَائِطِ رُكْنِ الْعَقْدِ، وَرُكْنُهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَلَا وُجُودَ لِلرُّكْنِ بِدُونِ الْقَبُولِ فَكَمَا لَا وُجُودَ لِلرُّكْنِ بِدُونِ الْقَبُولِ حَقِيقَةً لَا وُجُودَ لَهُ شَرْعًا بِدُونِ الشَّهَادَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ قَبُولَ الْعَقْدِ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ يَنْفَسِخُ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَصَّلَ فِيهِ أَصْلًا وَقَالَ: كُلُّ مَنْ جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ عِنْدَ أَحَدٍ لَا يَجُوزُ بِحُضُورِهِ وَهَذَا الِاعْتِبَارُ صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ لِفَائِدَةِ الْحُكْمِ بِهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ فَإِذَا جَازَ الْحُكْمُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ كَانَ الْحُضُورُ مُفِيدًا وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ عِنْدَ الْبَعْضِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ يَنْفَسِخُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ.

[فَصْلٌ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَةَ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَةَ فَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَةَ بِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَايَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَكَذَا لَا يَمْلِكُ الْكَافِرُ قَبُولَ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَهَادَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَا مُوَافِقَيْنِ لَهَا فِي الْمِلَّةِ أَوْ مُخَالِفَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّةَ بِشَهَادَةِ الذِّمِّيَّيْنِ، أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مَقْبُولَةٌ عَلَى أَصْلِنَا وَعَلَى أَصْلِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فَإِنَّهُمَا احْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ عَدَالَةُ الدِّينِ لَا عَدَالَةُ التَّعَاطِي لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ فِسْقَ التَّعَاطِي لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ وُجُودُهُ بِالطَّرَفَيْنِ - طَرَفُ الزَّوْجِ وَطَرَفُ الْمَرْأَةِ - وَلَمْ يُوجَدْ الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ حُجَّةٌ فِي حَقِّ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 253
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست