responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 242
وَالْمُمَارَسَةِ وَذَلِكَ بِالثِّيَابَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فَالْتَحَقَتْ بِالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَبَقِيَتْ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَادِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا مَلَكَ الْأَبُ قَبْضَ صَدَاقِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا بِخِلَافِ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ بِمَصَالِحِ النِّكَاحِ وَبِالْمُمَارَسَةِ وَمُصَاحَبَةِ الرِّجَالِ فَانْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَادِ عَنْهَا، وَلَنَا أَنَّ الثَّيِّبَ الْبَالِغَةَ لَا تُزَوَّجُ إلَّا بِرِضَاهَا فَكَذَا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: طَرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ.
وَالثَّانِي: طَرِيقُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ أَمَّا طَرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَهُوَ أَنَّ وِلَايَةَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الصَّغِيرَةِ لِعَجْزِهَا عَنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ بِنَفْسِهَا، وَبِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ زَالَ الْعَجْزُ وَثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ إلَّا أَنَّهَا مَعَ قُدْرَتِهَا حَقِيقَةً عَاجِزَةٌ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ عَجْزَ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ إلَى مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَالْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةٌ مَسْتُورَةٌ وَالْخُرُوجُ إلَى مَحْفِلِ الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ عَيْبٌ فِي الْعَادَةِ فَكَانَ عَجْزُهَا عَجْزَ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا حَقِيقَةٍ فَثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا عَلَى حَسَبِ الْعَجْزِ - وَهِيَ وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا وِلَايَةَ حَتْمٍ وَإِيجَابٍ - إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ عَلَى قَدْرِ الْعِلَّةِ.
وَأَمَّا طَرِيقُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وِلَايَةُ الشَّرِكَةِ لَا وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَادِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا كَمَا فِي الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَإِنَّمَا مَلَكَ الْأَبُ قَبْضَ صَدَاقِهَا لِوُجُودِ الرِّضَا بِذَلِكَ مِنْهَا دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْأَبَ يَضُمُّ إلَى الصَّدَاقِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَيُجَهَّزُ بِنْتَه الْبِكْرَ حَتَّى لَوْ نَهَتْهُ عَنْ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ بِخِلَافِ الثَّيِّبِ فَإِنَّ الْعَادَةَ مَا جَرَتْ بِتَكْرَارِ الْجِهَازِ، وَإِذَا كَانَ الرِّضَا فِي نِكَاحِ الْبَالِغَةِ شَرْطَ الْجَوَازِ فَإِذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهَا تَوَقَّفَ التَّزْوِيجُ عَلَى رِضَاهَا فَإِنْ رَضِيَتْ جَازَ وَإِنْ رَدَّتْ بَطَلَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَرِضَاهَا يُعْرَفُ بِالْقَوْلِ تَارَةً وَبِالْفِعْلِ أُخْرَى أَمَّا الْقَوْلُ: فَهُوَ التَّنْصِيصُ عَلَى الرِّضَا وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ نَحْوَ أَنْ تَقُولَ: رَضِيت أَوْ أَجَزْت وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْبَالِغَةُ.
وَأَمَّا الْفِعْلُ: فَنَحْوُ التَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهَا وَالْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الرِّضَا وَالرِّضَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ مَرَّةً وَبِالدَّلِيلِ أُخْرَى، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِبَرِيرَةَ إنْ وَطِئَك زَوْجُك فَلَا خِيَارَ لَك» وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّ رِضَاهَا يُعْرَفُ بِهَذَيْنِ الطَّرِيقِينَ وَبِثَالِثٍ وَهُوَ السُّكُوتُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ سُكُوتُهَا رِضًا.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ السُّكُوتَ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَيَحْتَمِلُ السَّخَطَ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلُ الرِّضَا مَعَ الشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ دَلِيلًا إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَرُوِيَ سُكُوتُهَا رِضَاهَا وَرُوِيَ سُكُوتُهَا إقْرَارُهَا وَكُلُّ ذَلِكَ نَصٌّ فِي الْبَابِ.
وَرُوِيَ «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ» وَهَذَا أَيْضًا نَصٌّ وَلِأَنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي عَنْ النُّطْقِ بِالْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ رَغْبَتِهَا فِي الرِّجَالِ فَتُنْسَبُ إلَى الْوَقَاحَةِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُهَا إذْنًا وَرِضًا بِالنِّكَاحِ دَلَالَةً وَشُرِطَ اسْتِنْطَاقُهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْطِقُ عَادَةً لَفَاتَتْ عَلَيْهَا مَصَالِحُ النِّكَاحِ مَعَ حَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ.
وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ: " السُّكُوتُ يَحْتَمِلُ " مُسَلِّمٌ لَكِنْ تَرَجَّحَ جَانِبُ الرِّضَا عَلَى جَانِبِ السَّخَطِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً لَرَدَّتْ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ تَسْتَحِي عَنْ الْإِذْنِ فَلَا تَسْتَحِي عَنْ الرَّدِّ فَلَمَّا سَكَتَتْ وَلَمْ تَرُدَّ دَلَّ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ ازْدَادَ احْتِمَالُ السَّخَطِ لِأَنَّهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهَا سَكَتَتْ عَنْ جَوَابِهِ مَعَ أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى الرَّدِّ تَحْقِيرًا لَهُ وَعَدَمَ الْمُبَالَاةِ بِكَلَامِهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ، فَبَطَلَ رُجْحَانُ دَلِيلِ الرِّضَا وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَحِي مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَا مِنْ الْأَجَانِبِ، وَالْأَبْعَدُ عِنْدَ قِيَامِ الْأَقْرَبِ وَحُضُورِهِ أَجْنَبِيٌّ فَكَانَتْ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ كَالثَّيِّبِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمُزَوِّجَ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا وَإِذَا كَانَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 242
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست