responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 238
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَا الْمُتَصَرَّفِ فِيهِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلِكُلِّ مَالِكٍ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مَصْلَحَةً، وَإِنْكَاحُ الْعَبْدِ مَصْلَحَةٌ فِي حَقِّهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ مِلْكِهِ عَنْ النُّقْصَانِ بِوَاسِطَةِ الصِّيَانَةِ عَنْ الزِّنَا.
وَقَوْلُهُ: " مَنَافِعُ الْبُضْعِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِسَيِّدِهِ " مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ إلَّا أَنَّ مَوْلَاهَا إذَا كَانَتْ أَمَةً مُنِعَتْ مِنْ اسْتِيفَائِهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ كَالْجَارِيَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَنَّهُ يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِمَا مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ كَذَا هَذَا.
وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُكَاتَبِ؛ لِزَوَالِ مِلْكِ الْيَدِ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى كَانَ أَحَقَّ بِالْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ فِي قَوْلِهِ: " كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ " إلَّا بِالنِّيَّةِ فَقِيَامُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ إنْ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ فَانْعِدَامُ مِلْكِ الْيَدِ يَمْنَعُ مِنْ الثُّبُوتِ، فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُكَاتَبِ ضَرَرًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ جَعَلَهُ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فَالتَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ يُوجِبُ تَعَلَّقَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِكَسْبِهِ، فَلَا يَصِلُ إلَى الْحُرِّيَّةِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، بِشَرْطِ رِضَاهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: " لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا النِّكَاحِ " مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ فِي طَبْعِ كُلِّ فَحْلٍ التَّوَقَانُ إلَى النِّسَاءِ، فَالظَّاهِرُ هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ خُصُوصًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ - وَهُوَ الْحُرْمَةُ - وَكَذَا الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْعَبْدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ بَعْضِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى احْتِرَامًا لَهُ فَيَبْقَى النِّكَاحُ فَيُفِيدُ فَائِدَةً تَامَّةً - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ -.

وَأَمَّا وِلَايَةُ الْقَرَابَةِ: فَسَبَبُ ثُبُوتِهَا هُوَ أَصْلُ الْقَرَابَةِ وَذَاتُهَا لَا كَمَالُ الْقُرْبَةِ، وَإِنَّمَا الْكَمَالُ شَرْطُ التَّقَدُّمِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ السَّبَبُ هُوَ الْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ، وَهِيَ قَرَابَةُ الْوِلَادِ.
وَعَلَى هَذَا يُبْنَى أَنَّ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَحَقِيقَةُ اسْمِ الْيَتِيمَةِ لِلصَّغِيرَةِ لُغَةً قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ» نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إنْكَاحِ الْيَتِيمَةِ، وَمَدَّهُ إلَى غَايَةِ الِاسْتِئْمَارِ وَلَا تَصِيرُ أَهْلًا لِلِاسْتِئْمَارِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيَتَضَمَّنُ الْبُلُوغَ كَأَنَّهُ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَبْلُغَ وَتُسْتَأْمَرَ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ إضْرَارٍ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ لِمَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مِثْلِهِ إنْكَاحَ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ وَمِثْلُ هَذَا التَّصَرُّفِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمَوْلَى كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْهِبَةِ، وَغَيْرِهِمَا؛ إلَّا أَنَّهُ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِمَا، وَشَفَقَةُ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ قَاصِرَةٌ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ الْقُصُورِ فِي سَلْبِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَسَلْبِ وِلَايَةِ اللُّزُومِ عِنْدَكُمْ، فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] هَذَا خِطَابٌ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الْأَجَانِبُ فَبَقِيَتْ الْأَقَارِبُ تَحْتَهُ إلَّا مَنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ هُوَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ لَا الْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ، وَإِنَّمَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ سَبَبُ زِيَادَةِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ حَاصِلٌ عَلَى أَصْلِ الشَّفَقَةِ أَعْنِي بِهِ شَفَقَةً زَائِدَةً عَلَى شَفَقَةِ الْجِنْسِ وَشَفَقَةِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ دَاعِيَةٌ إلَى تَحْصِيلِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَشَرْطُهَا: عَجْزُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ عَنْ تَحْصِيلِ النَّظَرِ بِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ مُضَمَّنَةٌ تَحْتَ الْكَفَاءَةِ، وَالْكُفْءُ عَزِيزُ الْوُجُودِ فَيُحْتَاجُ إلَى إحْرَازِهِ لِلْحَالِ لِاسْتِيفَاءِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَفَائِدَتُهَا وُقُوعُهَا وَسِيلَةً إلَى مَا وُضِعَ النِّكَاحُ لَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي إنْكَاحِ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَيَنْفُذُ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ تَصَرُّفه لِانْعِدَامِ شَرْطِ اللُّزُومِ - وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ - وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَيْسَتْ بِمُلْزِمَةٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّوَلِّي بِالنَّفَاذِ بِدُونِ اللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ - وَهُوَ الرِّبْحُ - لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَكْرَارِ التِّجَارَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُمْسِكَهُ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَسَقَطَتْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَثَبَتَتْ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْيَتِيمَةُ الْبَالِغَةُ بِدَلَالَةِ الِاسْتِئْمَارِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَجَازًا لَكِنْ فِيمَا ذَكَرَهُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 238
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست