responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 216
لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ قَدْ صَحَّتْ فَصَارَ تَارِكًا لِلسَّفَرِ فَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ.
وَلَوْ أَنْفَقَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِهَا أَيَّامًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ إنْ أَقَامَ إقَامَةً مُعْتَادَةً فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ فَالنَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ حَتَّى قَالُوا: إذَا أَقَامَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، وَإِنْ زَادَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَقَالُوا فِي الْخُرَاسَانِيِّ: إذَا جَاءَ حَاجًّا عَنْ غَيْرِهِ فَدَخَلَ بَغْدَادَ فَأَقَامَ بِهَا إقَامَةً مُعْتَادَةً مِقْدَارَ مَا يُقِيمُ النَّاسُ بِهَا عَادَةً فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهِ، وَهَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ زَمَانَ أَمْنٍ يَتَمَكَّنُ الْحَاجُّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَقَدَّرُوا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ.
فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ لِلْأَفْرَادِ وَالْآحَادِ وَلَا لِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ مَكَّةَ إلَّا مَعَ الْقَافِلَةِ فَمَا دَامَ مُنْتَظِرًا خُرُوجَ الْقَافِلَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَكَذَا هَذَا فِي إقَامَتِهِ بِبَغْدَادَ أَنَّهُ مَا دَامَ مُنْتَظِرًا لِخُرُوجِ الْقَافِلَةِ، فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الْآمِرِ لِتَعَذُّرِ سَبْقِهِ بِالْخُرُوجِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ لِلْهَلَاكِ فَالتَّعْوِيلُ فِي الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ عَلَى ذَهَابِ الْقَافِلَةِ وَإِيَابِهَا.
فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا حَتَّى سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ تَعُودُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْآمِرِ؟ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ تَعُودُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَعُودُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْآمِرِ بِلَا خِلَافٍ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَقَدْ انْقَطَعَ حُكْمُ السَّفَرِ فَلَا تَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقَامَةَ تَرْكُ السَّفَرِ لَا قَطْعُهَا، وَالْمَتْرُوكُ يَعُودُ، فَأَمَّا اتِّخَاذُ مَكَّةَ دَارًا وَالتَّوَطُّنُ بِهَا فَهُوَ قَطْعُ السَّفَرِ، وَالْمُنْقَطِعُ لَا يَعُودُ.

وَلَوْ تَعَجَّلَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لِيَكُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ، فَدَخَلَ مُحْرِمًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ إلَى عَشْرِ الْأَضْحَى فَإِذَا جَاءَ عَشْرُ الْأَضْحَى أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدْخُلُهَا النَّاسُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ غَالِبًا، فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْإِقَامَةُ مَأْذُونًا فِيهَا كَالْإِقَامَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ، وَلَا يَكُونُ بِمَا عَجَّلَ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْآمِرَ مَا عَيَّنَّ لَهُ وَقْتًا.

، وَالتِّجَارَةُ وَالْإِجَارَةُ لَا يَمْنَعَانِ جَوَازَ الْحَجِّ، وَيَجُوزُ حَجُّ التَّاجِرِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُكَارِي، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] قِيلَ: الْفَضْلُ التِّجَارَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ امْتَنَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَنْ التِّجَارَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ حَجَّهُمْ، فَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ طَلَبَ الْفَضْلِ فِي الْحَجِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: إنَّا قَوْمٌ نُكْرَى، وَنَزْعُمُ أَنَّ لَيْسَ لَنَا حَجٌّ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تُحْرِمُونَ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَأَنْتُمْ حُجَّاجٌ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] » ؛ وَلِأَنَّ التِّجَارَةَ وَالْإِجَارَةَ لَا يَمْنَعَانِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَشَرَائِطِهَا، فَلَا يَمْنَعَانِ مِنْ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُفْسِدُ الْحَجَّ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَبَيَانُ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَاَلَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ.
الْجِمَاعُ لَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي بَيَانِ أَنَّ الْجِمَاعَ يُفْسِدُ الْحَجَّ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ كَوْنِهِ مُفْسِدًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ - وَهُمَا مُحْرِمَانِ - مَضَيَا فِي إحْرَامِهِمَا وَعَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَيَقْضِيَانِ مِنْ قَابِلٍ وَيَفْتَرِقَانِ؛ وَلِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي نِهَايَةِ الِارْتِفَاقِ بِمَرَافِقِ الْمُقِيمِينَ، فَكَانَ فِي نِهَايَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْإِحْرَامِ.

(وَأَمَّا) شَرْطُ كَوْنِهِ مُفْسِدًا فَشَيْئَانِ:.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ عَانَقَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لِانْعِدَامِ الِارْتِفَاقِ الْبَالِغِ لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لِوُجُودِ اسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَفَرَّقْنَا بَيْنَ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ عَنْ شَهْوَةٍ.
وَلَوْ وَطِئَ بَهِيمَةً لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لِمَا قُلْنَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا؛ أَنْزَلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا يَفْسُدُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 216
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست