responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 183
مُعَيَّنٌ.

وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ إنْ كَانَ قَارِنًا؛ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَتَيْنِ، أَمَّا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَلِوُجُوبِهِمَا بِالشُّرُوعِ.
وَأَمَّا عُمْرَةٌ أُخْرَى فَلِفَوَاتِ الْحَجِّ فِي عَامِهِ ذَلِكَ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِنَا.
فَأَمَّا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَجَّةٌ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْقَارِنَ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَيَدْخُلُ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجَّةِ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ، وَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إذَا أُحْصِرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ حَجَّةٍ عِنْدَهُ، فَكَذَا الْقَارِنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا حُكْمُ زَوَالِ الْإِحْصَارِ: فَالْإِحْصَارُ إذَا زَالَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ زَالَ قَبْلَ بَعْثِ الْهَدْيِ أَوْ بَعْدَ مَا بَعَثَ، فَإِنْ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ الْهَدْيَ مَضَى عَلَى مُوجِبِ إحْرَامِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَعَثَ الْهَدْيَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ.
إمَّا أَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ، وَالْحَجِّ، أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ دُونَ الْحَجِّ، أَوْ يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ دُونَ الْهَدْيِ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فَإِنَّ إبَاحَةَ التَّحَلُّلِ لِعُذْرِ الْإِحْصَارِ، وَالْعُذْرُ قَدْ زَالَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُضِيُّ، وَجَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْمُضِيِّ، فَتَقَرَّرَ الْإِحْصَارُ فَيَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ أَيْضًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إدْرَاكِ الْهَدْيِ دُونَ إدْرَاكِ الْحَجِّ، إذْ الذَّهَابُ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الْحَجِّ، فَإِذَا كَانَ لَا يُدْرِكُ الْحَجَّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الذَّهَابِ، فَكَانَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ قِيلَ: إنَّ هَذَا الْوَجْهَ الرَّابِعَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، بَلْ يَجُوزُ قَبْلَهَا فَيُتَصَوَّرُ إدْرَاكُ الْحَجِّ دُونَ إدْرَاكِ الْهَدْيِ.
فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الْوَجْهُ إلَّا فِي الْمُحْصَرِ عَنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ فَقَدْ أَدْرَكَ الْهَدْيَ ضَرُورَةً، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمَا فِي الْمُحْصَرِ عَنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ عَنْهَا لَا يَتَوَقَّتُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ، فَلَمْ يُوجَدْ عُذْرُ الْإِحْصَارِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ وَيَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ صَارَ كَأَنَّ الْإِحْصَارَ زَالَ عَنْهُ بِالذَّبْحِ فَيَحِلُّ بِالذَّبْحِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْهَدْيَ قَدْ مَضَى فِي سَبِيلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالذَّبْحِ عَلَى مَنْ بَعَثَ عَلَى يَدِهِ بَدَنَةً، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الذَّهَابِ بَعْدَ مَا ذُبِحَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ وَمَا لَا يَحْظُرُهُ، وَبَيَانُ مَا يَجِبُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ، فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ.
نَوْعٌ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْحَجِّ، وَنَوْعٌ يُوجِبُ فَسَادَهُ، أَمَّا الَّذِي لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْحَجِّ فَأَنْوَاعٌ:.
بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى اللِّبَاسِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الطِّيبِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ، وَقَضَاءِ التَّفَثِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى تَوَابِعِ الْجِمَاعِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الصَّيْدِ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْمُحْرِمُ لَا يَلْبَسُ الْمَخِيطَ جُمْلَةً، وَلَا قَمِيصًا وَلَا قُبَاءَ، وَلَا جُبَّةً، وَلَا سَرَاوِيلَ، وَلَا عِمَامَةً، وَلَا قَلَنْسُوَةً، وَلَا يَلْبَسُ خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ فَيَلْبَسُهُمَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: «لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا الْوَرْسُ، وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَرْبُ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَخِيطِ، فَسُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَعَدَلَ عَنْ مَحِلِّ السُّؤَالِ، وَأَجَابَ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَهَذَا مَحِيدٌ عَنْ الْجَوَابِ، أَوْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي مَذْكُورٍ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ، وَأَضْمَرَ.
(لَا) فِي مَحِلِّ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ لَا تَارَةً تُزَادُ فِي الْكَلَامِ، وَتَارَةً تُحْذَفُ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] أَيْ: لَا تَضِلُّوا فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا لَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ كَذَا وَكَذَا فَكَانَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ.
وَالثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 183
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست