responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 167
تَتَعَلَّقُ بِمَكَّةَ فَيَحْتَاجُونَ إلَى الدُّخُولِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْ الدُّخُولِ إلَّا بِإِحْرَامٍ لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ، وَأَنَّهُ مَنْفِيٌّ شَرْعًا.

وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّالِثُ فَمِيقَاتُهُمْ لِلْحَجِّ: الْحَرَمُ، وَلِلْعُمْرَةِ: الْحِلُّ فَيُحْرِمُ الْمَكِّيُّ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لِلْحَجِّ أَوْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ، وَيُحْرِمُ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ، وَهُوَ التَّنْعِيمُ أَوْ غَيْرُهُ.
أَمَّا الْحَجُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ إلَّا أَنَّ الْعُمْرَةَ صَارَتْ مَخْصُوصَةً فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرَمِ فَبَقِيَ الْحَجُّ مُرَادًا فِي حَقِّهِمْ.
وَرُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ أَمَرَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَفَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ» ، وَإِنْ نُسِخَ فَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يُنْسَخْ.
وَإِنْ شَاءَ أَحْرَمَ مِنْ الْأَبْطَحِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ لَكِنْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ، وَإِتْيَانُ الْعِبَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى كَالصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ الْإِفَاضَةَ مِنْ مَكَّةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَتْ: أَكُلُّ نِسَائِكَ يَرْجِعْنَ بِنُسُكَيْنِ، وَأَنَا أَرْجِعُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ فَأَمَرَ أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَعْتَمِرَ بِهَا مِنْ التَّنْعِيمِ» ، وَلِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي أَفْعَالِهِ الْحِلُّ وَالْحُرُمُ، فَلَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَأَفْعَالُ الْعُمْرَةِ تُؤَدَّى بِمَكَّةَ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي أَفْعَالِهَا الْحِلُّ وَالْحَرَمِ، بَلْ يَجْتَمِعُ كُلُّ أَفْعَالِهَا فِي الْحَرَمِ، وَهَذَا خِلَافُ عَمَلِ الْإِحْرَامِ فِي الشَّرْعِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْهُ.
وَكَذَا أَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُحْرِمُونَ لِعُمْرَتِهِمْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَصَلَ فِي الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ فَأَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ لِلْحَجِّ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ يَخْرُجُ إلَى التَّنْعِيمِ، وَيُهِلُّ بِالْعُمْرَةِ فِي الْحِلِّ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَكِّيُّ مِيقَاتَهُ فَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ وَلِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، إلَّا إذَا عَادَ، وَجَدَّدَ التَّلْبِيَةَ أَوْ لَمْ يُجَدِّدْ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْآفَاقِيِّ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ، لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَحْتَاجُونَ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالْعَوْدِ إلَيْهَا، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُمْ الْإِحْرَامَ عِنْدَ كُلِّ خُرُوجٍ لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُحْرِمُ بِهِ الْمُحْرِمُونَ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُحْرَمُ بِهِ، فَمَا يُحْرَمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْحَجُّ وَحْدَهُ، وَالْعُمْرَةُ وَحْدَهَا، وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ، وَعَلَى حَسَبِ تَنَوُّعِ الْمُحْرَمِ بِهِ يَتَنَوَّعُ الْمُحْرِمُونَ، وَهْم فِي الْأَصْلِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ، وَمُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ، وَجَامِعٌ بَيْنَهُمَا، فَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ هُوَ الَّذِي يُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَا غَيْرُ، وَالْمُفْرِدُ بِالْعُمْرَةِ هُوَ الَّذِي يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ لَا غَيْرُ.
وَأَمَّا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا فَنَوْعَانِ: قَارِنٌ، وَمُتَمَتِّعٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَعْنَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَبَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِسَبَبِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَبَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يُحْرَمُ بِهِ: أَنَّهُ الْإِفْرَادُ أَوْ الْقِرَانُ أَوْ التَّمَتُّعُ.
أَمَّا الْقَارِنُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، فَهُوَ اسْمٌ لِآفَاقِيٍّ يَجْمَعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ قَبْلَ وُجُودِ رُكْنِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ الطَّوَافُ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ، فَيَأْتِي بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ أَوْ مَفْصُولٍ، حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرِهِ كَانَ قَارِنًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْقِرَانِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ وَشَرْطِهِ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ لِلْحَجِّ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرِهِ لَا يَكُونُ قَارِنًا، بَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ مَعْنَى التَّمَتُّعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بَعْدَ وُجُودِ رُكْنِ الْعُمْرَةِ كُلِّهِ وَهُوَ الطَّوَافُ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ، أَوْ أَكْثَرِهِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي تَفْسِيرِ الْمُتَمَتِّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ يَكُونُ قَارِنًا لِإِتْيَانِهِ بِمَعْنَى الْقِرَانِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ؛ إذْ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجَّةِ فِي الْفِعْلِ فَكَذَا فِي الْقَوْلِ، ثُمَّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يُنْظَرُ، إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِحَجَّتِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلًا لِعُمْرَتِهِ وَيَسْعَى لَهَا ثُمَّ يَطُوفَ لِحَجَّتِهِ وَيَسْعَى لَهَا مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ، وَمَضَى إلَى عَرَفَاتٍ، وَوَقَفَ بِهَا صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاضَ لِأَجْلِ الْحَجَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا قَدِمَتْ مَكَّةَ مُعْتَمِرَةً فَحَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَأَهِلِّي

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 167
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست