responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 164
صِنْفٌ مِنْهُمْ يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الْآفَاقِ، وَهُمْ الَّذِينَ مَنَازِلُهُمْ خَارِجَ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي وَقَّتَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ خَمْسَةٌ، كَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عَرْقٍ، وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» .
وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الْحِلِّ، وَهُمْ الَّذِينَ مَنَازِلُهُمْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ خَارِجَ الْحَرَمِ كَأَهْلِ بُسْتَانِ بَنِي عَامِرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الْحَرَمِ، وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، أَمَّا الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فَمِيقَاتُهُمْ مَا وَقَّتَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُجَاوِزَ مِيقَاتَهُ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إلَّا مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وُقِّتَ لَهُمْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مُقَيَّدًا، وَذَلِكَ إمَّا الْمَنْعُ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا الْمَنْعُ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ، وَقَالَ: إنِّي أَحْرَمْتُ بَعْدَ الْمِيقَاتِ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَبِّ، وَإِلَّا فَلَا حَجَّ لَك فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا» ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ بِمُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ دُخُولَ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا إلَّا مُحْرِمًا، سَوَاءٌ أَرَادَ بِدُخُولِ مَكَّةَ النُّسُكَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ التِّجَارَةِ أَوْ حَاجَةٍ أُخْرَى عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ دَخَلَهَا لِلنُّسُكِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَإِنْ دَخَلَهَا لِحَاجَةٍ جَازَ دُخُولُهُ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ تَجُوزُ السُّكْنَى بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ فَالدُّخُولُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دُونَ السُّكْنَى،.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ مُنْذُ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» الْحَدِيثَ.
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا بِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أَلَا إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ، وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ: لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَالثَّالِثُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» ، وَلِأَنَّ هَذِهِ بُقْعَةٌ شَرِيفَةٌ لَهَا قَدْرٌ وَخَطَرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالدُّخُولُ فِيهَا يَقْتَضِي الْتِزَامَ عِبَادَةٍ إظْهَارًا لِشَرَفِهَا عَلَى سَائِرِ الْبِقَاعِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ بِسُكْنَاهُمْ فِيهَا جُعِلُوا مُعَظِّمِينَ لَهَا بِقِيَامِهِمْ بِعِمَارَتِهَا وَسَدَانَتِهَا وَحِفْظِهَا وَحِمَايَتِهَا؛ لِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُمْ السُّكْنَى، وَكُلَّمَا قُدِّمَ الْإِحْرَامُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ هُوَ أَفْضَلُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ فَيَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ لَمَا جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَوْقَاتِهَا، وَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ دُونَ الْجَوَازِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ، وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَا تَأَخَّرَ، وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» هَذَا إذَا قَصَدَ مَكَّةَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، فَأَمَّا إذَا قَصَدَهَا مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ إذَا بَلَغَ مَوْضِعًا يُحَاذِي مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَاذَى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِيقَاتًا مِنْ الْمَوَاقِيتِ صَارَ فِي حُكْمِ الَّذِي يُحَاذِيهِ فِي الْقُرْبِ مِنْ مَكَّةَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَحْرِ فَصَارَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْبَحْرِ بَرٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهُ إلَّا بِإِحْرَامٍ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ.
كَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَلَوْ حَصَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَأَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ دُخُولَ مَكَّةَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ، وَلِمَنْ مَرَّ بِهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» .
وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَقَّتْنَا لَهُ وَقْتًا فَهُوَ لَهُ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» ، وَلِأَنَّهُ إذَا مَرَّ بِهِ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْمُجَاوَزَةِ حُكْمَهُمْ، وَلَوْ جَاوَزَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ جَازَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ صَارَ مِيقَاتًا لَهُ، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: إذَا مَرُّوا عَلَى الْمَدِينَةِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 164
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست