responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 154
الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ عَشِيَّةِ يَوْمِ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ وَسْوَاسِ الصُّدُورِ، وَسَيِّئَاتِ الْأُمُورِ، وَفِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي اللَّيْلِ، وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ» .
وَلَيْسَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَلِأَنَّ تَوْقِيتَ الدُّعَاءِ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ فَيَبْعُدُ عَنْ الْإِجَابَةِ، وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» .
وَرُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَبَّى عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ التَّلْبِيَةِ فَقَالَ: أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ نَسَوْا فَوَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يُخَلِّلَهَا أَوْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ» ، وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ ذِكْرٌ يُؤْتَى بِهِ فِي ابْتِدَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَتَكَرَّرَ فِي أَثْنَائِهَا فَأَشْبَهَ التَّكْبِيرَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَى بِهِ إلَى آخِرِ أَرْكَانِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ كَالتَّكْبِيرِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِيمَا بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الرَّمْيِ فِي الْقَطْعِ بِالْإِجْمَاعِ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ أَوْ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ حِينَ يَأْخُذُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ فَأَشْبَهَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي الْحَجِّ، وَهُنَاكَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ كَذَا هَهُنَا.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَوْقِفِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ» .
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَاسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا، حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ» ، فَإِنْ انْحَرَفَ قَلِيلًا لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ.
وَكَذَا لَوْ وَقَفَ، وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ لَمْ يَضُرَّهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوُقُوفَ عِبَادَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ كَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ رَاكِبًا، وَكُلَّمَا قَرُبَ فِي وُقُوفِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُعَلِّمُ النَّاسَ، وَيَدْعُو فَكَلَّمَا كَانَ أَقْرَبَ كَانَ أَمْكَنَ مِنْ السَّمَاعِ، وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ مَكَانِ الْوُقُوفِ فَيَقِفُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ الْإِمَامُ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَلَا يَدْفَعُ أَحَدٌ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا الْإِمَامُ، وَلَا غَيْرُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوُقُوفَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبٌ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ خَطَبَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَإِنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانَتْ تَدْفَعُ مِنْ هَهُنَا، وَالشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ مِثْلُ الْعَمَائِمِ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ فَخَالِفُوهُمْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّفْعِ مِنْهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ» ، فَإِنْ خَافَ بَعْضُ الْقَوْمِ الزِّحَامَ، أَوْ كَانَتْ بِهِ عِلَّةٌ فَيُقَدَّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ قَلِيلًا، وَلَمْ يُجَاوِزْ حَدَّ عَرَفَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ حَدَّ عَرَفَةَ، فَهُوَ فِي مَكَانِ الْوُقُوفِ.
وَقَدْ دَفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَى مَكَانِهِ حَتَّى يَدْفَعَ الْإِمَامُ، فَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] ، وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُدْفَعُوا، وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ حَتَّى يَأْتُوا مُزْدَلِفَةَ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ، وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَكْبَحُ نَاقَتَهُ»
وَرُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْبِرَّ لَيْسَ فِي إيجَافِ الْخَيْلِ، وَلَا فِي أَبْضَاعِ الْإِبِلِ، بَلْ عَلَى هَيِّنَتِكُمْ» ، وَلِأَنَّ هَذَا مَشْيٌ إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَ مُزْدَلِفَةَ لِيُصَلُّوا بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا، وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ، وَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ» ، فَإِنْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ بِالدَّفْعِ، وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ اللَّيْلُ دَفَعُوا قَبْلَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ اللَّيْلُ فَقَدْ جَاءَ أَوَانُ الدَّفْعِ، وَالْإِمَامُ بِالتَّأْخِيرِ تَرَكَ السُّنَّةَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوهَا.

وَإِذَا أَتَى مُزْدَلِفَةَ يَنْزِلُ حَيْثُ شَاءَ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَا يَنْزِلُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَلَا فِي وَادِي مُحَسِّرٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، إلَّا وَادِي مُحَسِّرٍ» ، وَإِنَّمَا لَا يَنْزِلُ عَلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ الْجَوَازِ فَيَتَأَذَّوْنَ بِهِ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ الْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ
وَقَالَ زُفَرُ: بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست