responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 137
الْمُبَاحِ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عَمَلًا مَعَ الِاعْتِقَادِ مُبْهِمًا أَنَّ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَهُوَ حَقٌّ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ، وَاجِبًا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، وَاجِبًا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ احْتِرَازًا عَنْ الضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَإِنَّهُ، وَاجِبٌ عَقْلًا، وَشَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ تَفْسِيرُ رَمْيِ الْجِمَارِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا تَفْسِيرُ رَمْيِ الْجِمَارِ فَرَمْيُ الْجِمَارِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَذْفُ بِالْأَحْجَارِ الصِّغَارِ، وَهِيَ الْحَصَى إذْ الْجِمَارُ جَمْعُ جَمْرَةٍ، وَالْجَمْرَةُ هِيَ الْحَجَرُ الصَّغِيرُ، وَهِيَ الْحَصَاةُ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ هُوَ الْقَذْفُ بِالْحَصَى فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، وَمَكَانٍ مَخْصُوصٍ، وَعَدَدٍ مَخْصُوصٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَامَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، وَوَضَعَ الْحَصَاةَ عِنْدَهَا، وَضْعًا أَنَّهُ لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ الرَّمْيِ، وَهُوَ الْقَذْفُ، وَإِنْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ الرَّمْيِ إلَّا أَنَّهُ رَمْيٌ خَفِيفٌ فَيُجْزِئُهُ، وَسَوَاءٌ رَمَى بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ كَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ فَوَضَعَ الْحَصَى فِي كَفِّهِ فَرَمَى بِهَا أَوْ رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ كَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ وَقْتُ رَمْيِ الْجِمَارِ]
(فَصْلٌ) :
، وَأَمَّا، وَقْتُ الرَّمْيِ فَأَيَّامُ الرَّمْيِ أَرْبَعَةٌ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَأَوَّلُ، وَقْتِ الرَّمْيِ، مِنْهُ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِهِ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ الْمُسْتَحَبِّ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا انْتَصَفَ لَيْلَةُ النَّحْرِ دَخَلَ وَقْتُ الْجِمَارِ كَمَا قَالَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَجَبَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَكُونُوا مُصْبِحِينَ» نَهَى عَنْ الرَّمْيِ قَبْلَ الصُّبْحِ.
وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَ أُغَيْلِمَةِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَكُونُوا مُصْبِحِينَ» .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَهَذَا حُجَّةُ سُفْيَانَ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَبِهِ نَقُولُ إنَّ الْمُسْتَحَبَّ ذَلِكَ.
وَأَمَّا آخِرُهُ فَآخِرُ النَّهَارِ كَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ يَوْمَ النَّحْرِ يَمْتَدُّ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يَفُوتُ الْوَقْتُ، وَيَكُونُ فِيمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَوْقَاتَ الْعِبَادَةِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ، وَالتَّوْقِيفُ وَرَدَ بِالرَّمْيِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يَكُونُ مَا بَعْدَهُ وَقْتًا لَهُ أَدَاءً كَمَا فِي سَائِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ وَقْتَهُ فِيهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتًا لَهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الِاعْتِبَارُ بِسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَهُوَ أَنَّ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقْتَ الرَّمْيِ فَكَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ إنَّمَا يُفَارِقُ سَائِرَ الْأَيَّامِ فِي ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ لَا فِي انْتِهَائِهِ فَكَانَ مِثْلَ سَائِرِ الْأَيَّامِ فِي الِانْتِهَاءِ فَكَانَ آخِرُهُ وَقْتَ الرَّمْيِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ، فَإِنْ لَمْ يَرْمِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَيَرْمِي قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، فِي قَوْلٍ: إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ فَاتَ الْوَقْتُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَفُوتُ إلَّا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَذِنَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ» ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ ذَلِكَ لِعُذْرٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَسْتَنِيبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَأْتِي بِالنَّهَارِ فَيَرْمِي فَثَبَتَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ كَانَتْ لِعُذْرٍ فَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا فَلَا يَجِبُ الدَّمُ، فَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الرَّمْيَ مُؤَقَّتٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهَا وُجُوبًا عِنْدَهُ حَتَّى يَجِبَ الدَّمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهَا، وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ أَصْلًا فَلَا يَجِبُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ، وَالْحُجَجُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ تَعَلُّقِهِمَا بِالْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا فِي الطَّوَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا وَقْتُ الرَّمْيِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَبَعْدَ الزَّوَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الرَّمْيُ فِيهِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنْ رَمَى قَبْلَهُ جَازَ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 137
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست