responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 128
فَيَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ، وَطَوَافُ اللِّقَاءِ لَا يَجِبُ أَصْلًا، وَطَوَافُ الصَّدْرِ لَا يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَيَتَعَيَّنُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ مُرَادًا بِالْآيَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] ، وَالْحَجُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ: الْقَصْدُ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ هُوَ: زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَالزِّيَارَةُ هِيَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ لِلتَّقَرُّبِ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ سَعْدٍ بِأَنَّمَا ... تَخَاطَأَنِي رَيْبُ الزَّمَانِ لِأَكْثُرَا
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ بَيْتَ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا
، وَقَوْلُهُ: " يَحُجُّونَ " أَيْ يَقْصِدُونَ ذَلِكَ الْبَيْتَ لِلتَّقَرُّبِ فَكَانَ حَجُّ الْبَيْتِ هُوَ الْقَصْدَ إلَيْهِ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ الْبَيْتُ لِلتَّقَرُّبِ بِالطَّوَافِ بِهِ فَكَانَ الطَّوَافُ بِهِ رُكْنًا، وَالْمُرَادُ بِهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلِهَذَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ: طَوَافَ الرُّكْنِ فَكَانَ رُكْنًا.
وَكَذَا الْأُمَّةُ أَجْمَعَتْ عَلَى كَوْنِهِ رُكْنًا، وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَرَمِ، وَغَيْرِهِمْ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] .
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]

[فَصْلٌ رُكْنُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا رُكْنُهُ فَحُصُولُهُ كَائِنًا حَوْلَ الْبَيْتِ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الطَّوَافِ بِنَفْسِهِ فَطَافَ بِهِ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الطَّوَافِ بِنَفْسِهِ فَحَمَلَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَاجِزًا أَجْزَأَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا أَجْزَأَهُ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ حُصُولُهُ كَائِنًا حَوْلَ الْبَيْتِ.
وَقَدْ حَصَلَ.
وَأَمَّا لُزُومُ الدَّمِ فَلِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَهُوَ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَدَخَلَهُ نَقْصٌ فَيَجِبُ جَبْرُهُ بِالدَّمِ كَمَا إذَا طَافَ رَاكِبًا أَوْ زَحْفًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ، وَإِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْوَاجِبَ إذْ لَا وُجُوبَ مَعَ الْعَجْزِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ الْحَامِلِ، وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَرْضَ حُصُولُهُ كَائِنًا حَوْلَ الْبَيْتِ
وَقَدْ حَصَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَائِنًا حَوْلَ الْبَيْتِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا حَصَلَ كَائِنًا بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَالْآخَرُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَشْيَ الْحَامِلِ فِعْلٌ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ كَيْفَ يَقَعُ عَنْ شَخْصَيْنِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَفْرُوضَ لَيْسَ هُوَ الْفِعْلَ فِي الْبَابِ بَلْ حُصُولُ الشَّخْصِ حَوْلَ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْهُ حُصُولُهُ كَائِنًا بِعَرَفَةَ لَا فِعْلُ الْوُقُوفِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي أَنَّ مَشْيَ الْوَاحِدِ جَازَ أَنْ يَقَعَ عَنْ اثْنَيْنِ فِي بَابِ الْحَجِّ كَالْبَعِيرِ الْوَاحِدِ إذَا رَكِبَهُ اثْنَانِ فَطَافَا عَلَيْهِ.
وَكَذَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُجْعَلَ فِعْلٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً كَفِعْلَيْنِ مَعْنًى كَالْأَبِ الْوَصِيِّ إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَا هَهُنَا.

[فَصْلٌ شَرْطُ وَوَاجِبَاتُ طَوَافُ الزِّيَارَة]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرْطُهُ وَوَاجِبَاتُهُ فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ، وَهُوَ أَصْلُ النِّيَّةِ دُونَ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا بِأَنْ طَافَ هَارِبًا مِنْ سَبُعٍ أَوْ طَالِبًا لِغَرِيمٍ لَمْ يَجُزْ.
فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الطَّوَافِ، وَبَيْنَ الْوُقُوفِ: أَنَّ الْوُقُوفَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْوُقُوفِ، وَالطَّوَافَ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّوَافِ عِنْدَ الطَّوَافِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيُّ، وَأَشَارَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الطَّوَافِ عِنْدَ الطَّوَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَصْلًا، وَأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَافِيَةٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَكَمَا فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ يَقَعُ فِي حَالِ قِيَامِ نَفْسِ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ مَا يُضَادُّهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ بَلْ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ، وَهِيَ نِيَّةُ الْحَجِّ كَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إفْرَادِهِمَا بِالنِّيَّةِ لِاشْتِمَالِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا كَذَا الْوُقُوفُ، فَأَمَّا الطَّوَافُ فَلَا يُؤْتَى بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ نَفْسِ الْإِحْرَامِ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَلَا إحْرَامَ حَالَ وُجُودِ التَّحْلِيلِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ حَالَ وُجُودِهِ مَوْجُودٌ، وَوُجُودُهُ يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنْ الْوُجُودِ فَلَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْحَجِّ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الْإِفْرَادِ بِالنِّيَّةِ كَالتَّسْلِيمِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ إذْ التَّسْلِيمُ تَحْلِيلٌ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْوُقُوفَ يُوجَدُ فِي حَالِ قِيَامِ الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ لِبَقَائِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَيَتَنَاوَلُهُ نِيَّةُ الْحَجِّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ الطَّوَافُ.
فَإِنَّهُ يُوجَدُ حَالَ زَوَالِ الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ قَبْلَهُ مِنْ وَجْهٍ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نِيَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَأَمَّا تَعْيِينُ النِّيَّةِ حَالَ وُجُودِهِ فِي وَقْتِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ نَفَرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَطَافَ، وَهُوَ لَا يُعَيِّنُ طَوَافًا يَقَعُ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا عَنْ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ مُتَعَيِّنَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 128
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست