responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 100
لَحْمًا قَدِيدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلَوْ أَكَلَ شَحْمًا قَدِيدًا؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، وَالْكَفَّارَةَ كَمَا فِي اللَّحْمِ، لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ فِي الْجُمْلَةِ كَاللَّحْمِ الْقَدِيدِ.

وَلَوْ أَكَلَ مَيْتَةً فَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَنْتَنَتْ وَدَوَّدَتْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَالْكَفَّارَةُ.

وَلَوْ أَوْلَجَ وَلَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى، إذْ الْجِمَاعُ: هُوَ الْإِيلَاجُ، فَأَمَّا الْإِنْزَالُ: فَفَرَاغٌ مِنْ الْجِمَاعِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ أَنْزَلَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُصُورٍ فِي الْجِمَاعِ لِوُجُودِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ لِقُصُورٍ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ لِسَعَةِ الْمَحَلِّ وَنَبْوَةِ الطَّمَعِ.

وَلَوْ أَخَذَ لُقْمَةً مِنْ الْخُبْزِ لِيَأْكُلَهَا وَهُوَ نَاسٍ فَلَمَّا مَضَغَهَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَائِمٌ فَابْتَلَعَهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ ذُكِرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَابْتَلَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهَا صَارَ بِحَالٍ يُعَافُ مِنْهَا وَمَا دَامَتْ فِي فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِهَا.

وَلَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ مُتَعَمِّدًا بَلْ خَاطِئًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ.

وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي سَفَرِهِ ثُمَّ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ قَائِمٌ وَهُوَ السَّفَرُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا اسْتَنَدَتْ إلَى صُورَةِ دَلِيلٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ اُعْتُبِرَتْ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَإِلَّا فَلَا.
وَقَدْ وُجِدَتْ هَهُنَا، وَهِيَ صُورَةُ السَّفَرِ لِأَنَّهُ مُرَخِّصٌ أَوْ مُبِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الشُّبْهَةَ هَهُنَا اسْتَنَدَتْ إلَى مَا هُوَ دَلِيلٌ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ الْمُضَادِّ لِلصَّوْمِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ حَتَّى قَالَ مَالِكٌ بِفَسَادِ الصَّوْمِ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْلَا قَوْلُ النَّاسِ لَقُلْتُ لَهُ يَقْضِي.
وَكَذَا الْقَيْءُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عَوْدِ بَعْضِهِ مِنْ الْفَمِ إلَى الْجَوْفِ، فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَاعْتُبِرَتْ، قَالَ مُحَمَّدٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ، أَيْ: بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي وَالْقَيْءَ لَا يُفْطِرَانِ، فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ ظَنَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَعَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَفْسُدْ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ.
فَإِنْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا، إنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ مُسْتَنِدَةً إلَى صُورَةِ دَلِيلٍ، وَإِنْ بَلَغَهُ خَبَرُ الْحِجَامَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ؟ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْأَصْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاسْتِفْتَاءُ مِنْ الْمُفْتِي لَا الْعَمَلُ بِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ يَكُونُ مَنْسُوخًا وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرُهُ مَتْرُوكًا، فَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً، وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا وَلَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُنَافِي رُكْنَ الصَّوْمِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ مُسْتَنِدَةً إلَى دَلِيلٍ أَصْلًا.

وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي رُكْنَ الصَّوْمِ فِي الظَّاهِرِ، فَكَانَ ظَنُّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْفَقِيهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى يَصِيرُ شُبْهَةً.

وَلَوْ اغْتَابَ إنْسَانًا فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِفَتْوَى الْفَقِيهِ وَلَا بِتَأْوِيلِهِ الْحَدِيثَ هَهُنَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ لَهُ سِمَةٌ مِنْ الْفِقْهِ وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرْوِيِّ «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» حَقِيقَةَ الْإِفْطَارِ فَلَمْ يَصِرْ ذَلِكَ شُبْهَةً.

وَكَذَا لَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 100
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست