responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 91
لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ لَا يَخْلُو عَنْ ذَنْبٍ، أَوْ خَطَأٍ، أَوْ زَلَّةٍ، أَوْ تَقْصِيرٍ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْقِيَامِ بِشُكْرِ النِّعْمَةِ، وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهُ وَخَطَرُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ إذْ قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ النِّعَمِ، وَالْإِحْسَانِ مَا لَوْ أَخَذَ بِشُكْرِ ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ شُكْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُؤَدِّيَ شُكْرَ الْكُلِّ؛ فَيَحْتَاجَ إلَى تَكْفِيرِ ذَلِكَ، إذْ هُوَ فَرْضٌ فَفُرِضَتْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ تَكْفِيرًا لِذَلِكَ.

[فَصْلٌ عَدَد فُرُوض الصَّلَاة]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا عَدَدُهَا فَالْخَمْسُ، ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، (أَمَّا) الْكِتَابُ فَمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا فَرْضِيَّةُ خَمْسِ صَلَوَاتٍ وقَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَعَطَفَ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى عَلَيْهَا، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ فَهَذَا يَقْتَضِي جَمْعًا يَكُونُ لَهُ وُسْطَى.
وَالْوُسْطَى غَيْرُ ذَلِكَ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّ جَمْعٍ يَكُونُ لَهُ وُسْطَى، وَالْوُسْطَى غَيْرُ ذَلِكَ الْجَمْعِ هُوَ الْخَمْسُ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ وَالسِّتَّ لَا وُسْطَى لَهُمَا، وَكَذَا هُوَ شَفْعٌ إذْ الْوَسَطُ مَا لَهُ حَاشِيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الشَّفْعِ، وَالثَّلَاثُ لَهُ وُسْطَى لَكِنَّ الْوُسْطَى لَيْسَ غَيْرَ الْجَمْعِ إذْ الِاثْنَانِ لَيْسَا بِجَمْعٍ صَحِيحٍ، وَالسَّبْعَةُ وَكُلُّ وِتْرٍ بَعْدَهَا لَهُ وُسْطَى لَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ.
وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَالْأُمَّةُ أَجْمَعَتْ عَلَى هَذَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ لِمَا أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ، وَالسُّنَنَ الْمُتَوَاتِرَةَ وَالْمَشْهُورَةَ مَا أَوْجَبَتْ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَالْقَوْلُ بِفَرْضِيَّةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ يَكُونُ قَوْلًا بِفَرْضِيَّةِ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ، وَأَنَّهُ خِلَافُ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَا يَلْزَمُ هَذَا أَبَا حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِفَرْضِيَّةِ الْوِتْرِ وَإِنَّمَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ عَدَدُ رَكَعَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا عَدَدُ رَكَعَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَعَدَدُ رَكَعَاتِهَا سَبْعَةَ عَشَرَ: رَكْعَتَانِ، وَأَرْبَعٌ، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثٌ، وَأَرْبَعٌ، عَرَفْنَا ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَدَدُ رَكَعَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فَكَانَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مُجْمَلَةً فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ.
ثُمَّ زَالَ الْإِجْمَالُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا كَمَا فِي نُصُوصِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَعَدَدُ رَكَعَاتِهَا فِي حَقِّهِ إحْدَى عَشْرَةَ عِنْدَنَا: رَكْعَتَانِ، وَرَكْعَتَانِ، وَرَكْعَتَانِ، وَثَلَاثُ وَرَكْعَتَانِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَبْعَةَ عَشَرَ كَمَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ.

[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
(فَصْلٌ) :
وَالْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ يَقَعُ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: فِي بَيَانِ الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ مَا يَصِيرُ الْمُقِيمُ بِهِ مُسَافِرًا وَالثَّالِثُ: فِي بَيَانِ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا، وَيَبْطُلُ بِهِ السَّفَرُ وَيَعُودُ إلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ رَكْعَتَانِ لَا غَيْرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرْبَعٌ كَفَرْضِ الْمُقِيمِ إلَّا أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ رُخْصَةً، مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ، وَالْإِكْمَالَ رُخْصَةٌ وَهَذَا التَّلْقِيبُ عَلَى أَصْلِنَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَيْسَتَا قَصْرًا حَقِيقَةً عِنْدَنَا بَلْ هُمَا تَمَامُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ، وَالْإِكْمَالُ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ إسَاءَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ فَقَدْ أَسَاءَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ، وَهَذَا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ لِعَارِضٍ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى التَّغْيِيرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ رَأْسًا إذْ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ جَمِيعًا لِمَا يُذْكَرْ ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَتَانِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَأُقِرَّتْ الرَّكْعَتَانِ عَلَى حَالِهِمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ كَمَا كَانَتَا فِي الْأَصْلِ فَانْعَدَمَ مَعْنَى التَّغْيِيرِ أَصْلًا فِي حَقِّهِ.
وَفِي حَقِّ الْمُقِيمِ وُجِدَ التَّغْيِيرُ لَكِنْ إلَى الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ لَا إلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ، وَالرُّخْصَةُ تُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ حَقِيقَةً، وَلَوْ سُمِّيَ فَإِنَّمَا سُمِّيَ مَجَازًا لِوُجُودِ بَعْضِ مَعَانِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ التَّغْيِيرُ.
(احْتَجَّ) الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] ، وَلَفْظُ لَا جُنَاحَ تُسْتَعْمَلُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 91
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست