responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 86
وَالْخِنْزِيرِ، جَوَابُ ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجُلُودَ كُلَّهَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَيْسَتْ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ وَالرُّطُوبَةِ بَلْ هُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ، فَكَانَ وُجُودُ الدِّبَاغِ - فِي حَقِّهِ - وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ: إنَّ جِلْدَهُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ؛ لِأَنَّ لَهُ جُلُودًا مُتَرَادِفَةً، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَمَا لِلْآدَمِيِّ.
وَأَمَّا جِلْدُ الْإِنْسَانِ فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ وَتَنْدَفِعُ رُطُوبَتُهُ بِالدَّبْغِ يَنْبَغِي أَنْ يَطْهُرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ احْتِرَامًا لَهُ وَأَمَّا جِلْدُ الْفِيلِ فَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، ثُمَّ الدِّبَاغُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حَقِيقِيٍّ، وَحُكْمِيٍّ، فَالْحَقِيقِيُّ: هُوَ أَنْ يُدْبَغَ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ كَالْقَرْظِ وَالْعَفْصِ وَالسَّبْخَةِ وَنَحْوِهَا، وَالْحُكْمِيُّ: أَنْ يُدْبَغَ بِالتَّشْمِيسِ وَالتَّتْرِيبِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ، وَالنَّوْعَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ الدِّبَاغِ الْحَقِيقِيِّ لَا يَعُودُ نَجِسًا، وَبَعْدَ الدِّبَاغِ الْحُكْمِيِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَطْهُرُ الْجِلْدُ إلَّا بِالدِّبَاغِ الْحَقِيقِيِّ، وَأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمِيَّ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ، وَالْعِصْمَةِ عَنْ النَّتِنِ، وَالْفَسَادِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، مِثْلُ الْحَقِيقِيِّ، فَلَا مَعْنَى لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) الذَّكَاةُ فِي تَطْهِيرِ الذَّبِيحِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهَا أَنَّ الْحَيَوَانَ إنْ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ فَذُبِحَ طَهُرَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إلَّا الدَّمَ الْمَسْفُوحَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولَ اللَّحْمِ فَمَا هُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْمَيْتَةِ، مِنْ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا دَمَ فِيهَا، كَالشَّعْرِ وَأَمْثَالِهِ، يَطْهُرُ مِنْهُ بِالذَّكَاةِ عِنْدَنَا.
وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الَّتِي فِيهَا الدَّمُ كَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالْجِلْدِ فَهَلْ تَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ، اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ جِلْدَهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَطْهُرُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَمْ تُفِدْ حِلًّا فَلَا تُفِيدُ طُهْرًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَثَرَ الذَّكَاةِ يَظْهَرُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَصْلًا، - وَهُوَ حِلُّ تَنَاوُلِ اللَّحْمِ - وَفِي غَيْرِهِ تَبَعًا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهَا فِي الْأَصْلِ كَيْفَ يَظْهَرُ فِي التَّبَعِ؛ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ مَجُوسِيٌّ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ» أَلْحَقَ الذَّكَاةَ بِالدِّبَاغِ، ثُمَّ الْجِلْدُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَذَا بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تُشَارِكُ الدِّبَاغَ فِي إزَالَةِ الدِّمَاءِ السَّائِلَةِ، وَالرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ، فَتُشَارِكُهُ فِي إفَادَةِ الطَّهَارَةِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ فَغَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْجِلْدِ حُكْمٌ مَقْصُودٌ فِي الْجِلْدِ، كَمَا أَنَّ تَنَاوُلَ اللَّحْمِ حُكْمٌ مَقْصُودٌ فِي اللَّحْمِ، وَفِعْلُ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ بِذَكَاةٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الذَّكَاةِ، فَلَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ فَتَعَيَّنَ تَطْهِيرُهُ بِالدِّبَاغِ، وَاخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ، ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فَقَالَ: كُلُّ حَيَوَانٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؛ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَشَحْمُهُ وَسَائِرُ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ اسْمٌ لِجُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَمَشَايِخِ بَلْخٍ: إنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ، فَأَمَّا اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا يَطْهُرُ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ النَّجَاسَةَ لِمَكَانِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَقَدْ زَالَ بِالذَّكَاةِ.

(وَمِنْهَا) نَزْحُ مَا وَجَبَ مِنْ الدِّلَاءِ، أَوْ نَزْحُ جَمِيعِ الْمَاءِ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ مِنْ الْآدَمِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي تَطْهِيرِ الْبِئْرِ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ إذَا وَجَبَ نَزْحُ جَمِيعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسَدَّ جَمِيعُ مَنَابِعِ الْمَاءِ إنْ أَمْكَنَ، ثُمَّ يُنْزَحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ النَّجَسِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَدُّ مَنَابِعِهِ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ - رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُنْزَحُ مِائَةُ دَلْوٍ.
وَرُوِيَ مِائَتَا دَلْوٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ، أَوْ ثَلَاثُمِائَةِ دَلْوٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ: يُحْفَرُ بِجَنْبِهَا حَفِيرَةً مِقْدَارَ عَرْضِ الْمَاءِ، وَطُولِهِ وَعُمْقِهِ، ثُمَّ يُنْزَحُ مَاؤُهَا وَيُصَبُّ فِي الْحَفِيرَةِ، حَتَّى تَمْتَلِئَ فَإِذَا امْتَلَأَتْ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُرْسَلُ فِيهَا قَصَبَةٌ، وَيُجْعَلُ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ، ثُمَّ يُنْزَحُ مِنْهَا عَشَرَةُ دِلَاءٍ مَثَلًا، ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ انْتَقَصَ فَيُنْزَحُ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَالْأَوْفَقُ فِي الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ يُؤْتَى بِرَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ فِي أَمْرِ الْمَاءِ فَيُنْزَحُ بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الدَّلْوِ الَّذِي يُنْزَحُ بِهِ الْمَاءُ النَّجِسُ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ دَلْوٌ يَسَعُ قَدْرَ صَاعٍ، وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.
وَأَمَّا حُكْمُ طَهَارَةِ الدَّلْوِ وَالرِّشَاءِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الدَّلْوِ الَّذِي يُنْزَحُ بِهِ الْمَاءُ النَّجِسُ مِنْ الْبِئْرِ أَيُغْسَلُ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا بَلْ يُطَهِّرُهُ مَا طَهَّرَ الْبِئْرَ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا طَهُرَتْ الْبِئْرُ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرِّشَاءُ، كَمَا يَطْهُرُ طِينُ الْبِئْرِ وَحَمْأَتُهُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُمَا بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ، وَطَهَارَتُهُمَا يَكُونُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 86
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست