responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 83
وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بِخِلَافِ الْعِمَامَةِ، (وَالْفَرْقُ) أَنَّ الطَّرَفَ النَّجِسَ مِنْ الْعِمَامَةِ إذَا كَانَ يَتَحَرَّكُ بِتَحَرُّكِهِ، صَارَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ مُسْتَعْمِلًا لَهَا، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْبِسَاطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ مِنْهُ يَجُوزُ؟ ، وَلَوْ صَارَ حَامِلًا لَمَا جَازَ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى ثَوْبٍ مُبَطَّنٍ ظِهَارَتُهُ طَاهِرَةٌ، وَبِطَانَتُهُ نَجِسَةٌ، رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ: جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ مَخِيطًا غَيْرَ مُضَرَّبٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبَيْنِ، وَالْأَعْلَى مِنْهُمَا طَاهِرٌ، وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَخِيطًا مُضَرَّبًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ ظَاهِرُهُ طَاهِرٌ، وَبَاطِنُهُ نَجِسٌ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ فِيهِ الِاخْتِلَافَ فَقَالَ: عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ.
وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى عَلَى حَجَرِ الرَّحَا، أَوْ عَلَى بَابٍ، أَوْ بِسَاطٍ غَلِيظٍ، أَوْ عَلَى مُكَعَّبٍ ظَاهِرُهُ طَاهِرٌ، وَبَاطِنُهُ نَجِسٌ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ، فَأَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى اتِّحَادِ الْمَحَلِّ فَقَالَ: الْمَحَلُّ مَحَلٌّ وَاحِدٌ فَاسْتَوَى ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، كَالثَّوْبِ الصَّفِيقِ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْوَجْهَ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّهُ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ، وَلَيْسَ هُوَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَتَجُوزُ، كَمَا إذَا صَلَّى عَلَى ثَوْبٍ تَحْتَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ بِخِلَافِ الثَّوْبِ الصَّفِيقِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَإِنْ كَانَ صَفِيقًا فَالظَّاهِرُ نَفَاذُ الرُّطُوبَاتِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا لَا تُدْرِكُهُ الْعَيْنُ لِتَسَارُعِ الْجَفَافِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ بِسَاطًا غَلِيظًا، أَوْ ثَوْبًا مُبَطَّنًا مُضَرَّبًا وَعَلَى كِلَا وَجْهَيْهِ نَجَاسَةٌ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لَكِنَّهُمَا لَوْ جُمِعَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، عَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ يُجْمَعُ، وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَنَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يُجْمَعُ، وَتَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا صَفِيقًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ النَّفَاذُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُهُ الْحِسُّ، فَاجْتَمَعَ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ نَجَاسَتَانِ لَوْ جُمِعَتَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَيَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَلَوْ أَنَّ ثَوْبًا، أَوْ بِسَاطًا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ وَنَفَذَتْ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَإِذَا جُمِعَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يُجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَنَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ مُبَطَّنًا مُضَرَّبًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يُجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يَقَعُ بِهِ التَّطْهِيرُ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَقَعُ بِهِ التَّطْهِيرُ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ يَقَعُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا - فِي بَيَانِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّطْهِيرُ وَالثَّانِي - فِي بَيَانِ طَرِيقِ التَّطْهِيرِ بِالْغَسْلِ، وَالثَّالِثُ - فِي بَيَانِ شَرَائِطِ التَّطْهِيرِ.

(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّطْهِيرُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْحُكْمِيَّةُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَاءَ طَهُورًا بِقَوْلِهِ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَكَذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ» وَالطَّهُورُ: هُوَ الطَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ طَهُورًا بِقَوْلِهِ فِي آخَرِ آيَةِ الْوُضُوءِ: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] .
وَقَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَيَسْتَوِي الْعَذْبُ وَالْمِلْحُ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ.
وَأَمَّا مَا سِوَى الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهَا الطَّهَارَةُ الْحُكْمِيَّةُ، وَهِيَ زَوَالُ الْحَدَثِ، وَهَلْ تَحْصُلُ بِهَا الطَّهَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ زَوَالُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: تَحْصُلُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَحْصُلُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، فَقَالَ فِي الثَّوْبِ: تَحْصُلُ وَفِي الْبَدَنِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْمَاءِ وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ عُرِفَتْ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ مُلَاقَاتِهِ النَّجَسَ صَارَ نَجِسًا، وَالتَّطْهِيرُ بِالنَّجَسِ لَا يَتَحَقَّقُ كَمَا إذَا غُسِلَ بِمَاءٍ نَجِسٍ، أَوْ بِالْخَمْرِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ نَجَاسَةِ الْمَاءِ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ، وَبَقَاؤُهُ طَهُورًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ فِي إزَالَةِ الْحَدَثِ، (وَلَهُمَا) أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّطْهِيرُ، وَهَذِهِ الْمَائِعَاتُ تُشَارِكُ الْمَاءَ فِي التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إنَّمَا كَانَ مُطَهِّرًا لِكَوْنِهِ مَائِعًا رَقِيقًا يُدَاخَلُ أَثْنَاءَ الثَّوْبِ، فَيُجَاوِرُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ، فَيُرَقِّقُهَا إنْ كَانَتْ كَثِيفَةً، فَيَسْتَخْرِجُهَا

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 83
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست