responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 79
دَمٌ سَائِلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِّيًّا أَوْ مَائِيًّا، وَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ مَاتَ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، كَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَنَحْوِهَا لَا يُنَجِّسُ بِالْمَوْتِ، وَلَا يُنَجِّسُ مَا يَمُوتُ فِيهِ مِنْ الْمَائِعِ، سَوَاءٌ كَانَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ، كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ وَالْعَصِيرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَرِّيًّا أَوْ مَائِيًّا كَالْعَقْرَبِ الْمَائِيِّ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّمَكُ طَافِيًا أَوْ غَيْرَ طَافٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ شَيْئًا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَائِعِ كَدُودِ الْخَلِّ، أَوْ مَا يُبَاحُ أَكْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ لَا يَنْجَسُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَهُ فِي الذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ قَوْلَانِ، (وَيَحْتَجُّ) بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ، ثُمَّ خَصَّ مِنْهُ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ بِالْحَدِيثِ، وَالذُّبَابَ وَالزُّنْبُورَ بِالضَّرُورَةِ.
(وَلَنَا) مَا ذَكَرْنَا أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيْتَةِ لَيْسَتْ لِعَيْنِ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مَوْجُودٌ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَلَا يُوجِبُ التَّنْجِيسَ، وَلَكِنْ لِمَا فِيهَا مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَلَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنْ كَانَ بَرِّيًّا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَيُنَجِّسُ الْمَائِعَ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي الْمَائِعِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الدَّمَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ السَّائِلَ نَجِسٌ فَيُنَجِّسُ مَا يُجَاوِرُهُ، إلَّا الْآدَمِيَّ إذَا كَانَ مَغْسُولًا؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَائِيًّا كَالضُّفْدَعِ الْمَائِيِّ وَالسَّرَطَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ حَيَّةً مِنْ حَيَّاتِ الْمَاءِ مَاتَتْ فِي الْمَاءِ، إنْ كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ جُرِحَتْ لَمْ يَسِلْ مِنْهَا الدَّمُ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ، وَإِنْ كَانَتْ لَوْ جُرِحَتْ لَسَالَ مِنْهَا الدَّمُ تُوجِبُ التَّنْجِيسَ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا عَلَّلَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ - وَهُمْ مَشَايِخُ بَلْخٍ - فَهِمُوا مِنْ تَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صِيَانَةُ الْمِيَاهِ عَنْ مَوْتِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَعْدِنَهَا الْمَاءُ،
فَلَوْ أَوْجَبَ مَوْتُهَا فِيهَا التَّنْجِيسَ لَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ
، وَبَعْضُهُمْ - وَهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ - فَهِمُوا مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْمَاءِ لَا يَكُونُ لَهَا دَمٌ، إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ لِمُخَالَفَةٍ بَيْنَ طَبِيعَةِ الْمَاءِ وَبَيْنَ طَبِيعَةِ الدَّمِ، فَلَمْ تَتَنَجَّسْ فِي نَفْسِهَا؛ لِعَدَمِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، فَلَا تُوجِبُ تَنْجِيسَ مَا جَاوَرَهَا ضَرُورَةً، وَمَا يُرَى فِي بَعْضِهَا مِنْ صُورَةِ الدَّمِ فَلَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّمَكَ يَحِلُّ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ أَنَّ الذَّكَاةَ شُرِعَتْ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَلِذَا، إذَا شَمَسَ دَمُهُ يَبْيَضُّ، وَمِنْ طَبْعِ الدَّمِ أَنَّهُ إذَا شَمَسَ اسْوَدَّ، وَإِنْ مَاتَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ فَعَلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ الْأُولَى يُوجِبُ التَّنْجِيسَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صِيَانَةُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ عَنْ مَوْتِهَا فِيهَا، وَعَلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ التَّنْجِيسَ لِانْعِدَامِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ فِيهَا.
وَرُوِيَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ، وَأَبَا مُعَاذٍ عَنْ الضُّفْدَعِ يَمُوتُ فِي الْعَصِيرِ فَقَالَا: يُصَبُّ وَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ وَمُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ فَقَالَا: لَا يُصَبُّ وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَفْسُدُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ، وَهَكَذَا رَوَى هِشَامُ عَنْهُمْ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ الْمُتَفَسِّخِ وَغَيْرِهِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ شُرْبُ الْمَائِعِ الَّذِي تَفَسَّخَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ أَجْزَاءِ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، ثُمَّ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْمَائِيِّ وَالْبَرِّيِّ أَنَّ الْمَائِيَّ: هُوَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ، وَالْبَرِّيَّ: هُوَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَرِّ وَأَمَّا الَّذِي يَعِيشُ فِيهِمَا جَمِيعًا كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ يُوجِبُ التَّنْجِيسَ؛ لِأَنَّ لَهُ دَمًا سَائِلًا وَالشَّرْعُ لَمْ يُسْقِطْ اعْتِبَارَهُ، حَتَّى لَا يُبَاحَ أَكْلُهُ بِدُونِ الذَّكَاةِ بِخِلَافِ السَّمَكِ، وَإِنْ مَاتَ فِي الْمَاءِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَفْسُدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَائِعِ.

فَأَمَّا إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ أَوْ مَكَانَ الصَّلَاةِ، أَمَّا حُكْمُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فَنَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ النَّجَاسَةُ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ غَلِيظَةً، أَوْ خَفِيفَةً قَلِيلَةً، أَوْ كَثِيرَةً، أَمَّا النَّجَاسَةُ الْقَلِيلَةُ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَمْنَعَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ، أَوْ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، كَمَا أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ - وَهِيَ الْحَدَثُ - شَرْطٌ، ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ يَنْعَدِم بِالْقَلِيلِ مِنْ الْحَدَثِ بِأَنْ بَقِيَ عَلَى جَسَدِهِ لُمْعَةٌ، فَكَذَا بِالْقَلِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ: إذَا كَانَ مِثْلَ ظُفْرِي هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ النَّجَاسَةِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَإِنَّ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست