responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 62
الْعُرَنِيِّينَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ الَّذِي لَا يُتَيَقَّنُ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهِ حَرَامٌ، وَكَذَا بِمَا لَا يُعْقَلُ فِيهِ الشِّفَاءُ وَلَا شِفَاءَ فِيهِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ شِفَاءَ أُولَئِكَ فِيهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الْأَرْوَاثُ فَكُلُّهَا نَجِسَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ رَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، (وَاحْتَجَّ) بِمَا رُوِيَ أَنَّ الشُّبَّانَ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِي السَّفَرِ كَانُوا يَتَرَامَوْنَ بِالْجِلَّةِ وَهِيَ الْبَعْرَةُ الْيَابِسَةُ، وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا مَسُّوهَا، وَعَلَّلَ مَالِكٌ بِأَنَّهُ وَقُودُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَسْتَعْمِلُونَهُ اسْتِعْمَالَ الْحَطَبِ.
(وَلَنَا) مَا رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ مِنْهُ أَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ، فَأُتِيَ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَمَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ»
أَيْ نَجَسٌ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَى النَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ فِيهَا وَهُوَ الِاسْتِقْذَارُ فِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ؛ لِاسْتِحَالَتِهَا إلَى نَتِنٍ وَخُبْثِ رَائِحَةٍ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، فَكَانَتْ نَجِسَةً.

(وَمِنْهَا) خُرْءُ بَعْضِ الطُّيُورِ مِنْ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الطُّيُورَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَا يَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ وَنَوْعٌ يَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ.
(أَمَّا) مَا لَا يَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ كَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ فَخُرْؤُهُمَا نَجِسٌ؛ لِوُجُودِ مَعْنَى النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْتَقْذَرًا لِتَغَيُّرِهِ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادِ رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الْعَذِرَةَ، وَفِي الْإِوَزِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، (وَمَا) يَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ نَوْعَانِ أَيْضًا: مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، كَالْحَمَامِ، وَالْعُصْفُورِ، وَالْعَقْعَقِ، وَنَحْوِهَا، وَخُرْؤُهَا طَاهِرٌ، عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَجِسٌ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الطَّبْعَ قَدْ أَحَالَهُ إلَى فَسَاد فَوُجِدَ مَعْنَى النَّجَاسَةِ، فَأَشْبَهَ الرَّوْثَ وَالْعَذِرَةَ.
(وَلَنَا) إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُمْ اعْتَادُوا اقْتِنَاءَ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهَا تَذْرِقُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125]
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ حَمَامَةً ذَرَقَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَهُ وَصَلَّى، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعُصْفُورِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مُجَرَّدَ إحَالَةِ الطَّبْعِ لَا يَكْفِي لِلنَّجَاسَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِيلِ نَتْنٌ وَخُبْثُ رَائِحَةٍ تَسْتَخْبِثُهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ، وَذَلِكَ مُنْعَدِمٌ هَهُنَا عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكَانَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهَا تَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يُمْكِنُ صِيَانَةُ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي عَنْهُ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ لِلضَّرُورَةِ كَدَمِ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ وَحَكَى مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَمِثْلُهُ لَا يَكْذِبُ فَلَئِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِجْمَاعُ مِنْ حَيْثُ الْقَوْلُ يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ وَهُوَ مَا بَيَّنَّا.

وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْحِدَأَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، خَرْؤُهَا طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ وُجِدَ مَعْنَى النَّجَاسَةِ فِيهِ؛ لِإِحَالَةِ الطَّبْعِ إيَّاهُ إلَى خُبْثٍ وَنَتْنِ رَائِحَةٍ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمَأْكُولِ مِنْ الْبَهَائِمِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِ نَجَاسَتِهِ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْكُنُ الْمُرُوجَ وَالْمَفَاوِزَ بِخِلَافِ الْحَمَامِ وَنَحْوِهِ، (وَلَهُمَا) أَنَّ الضَّرُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ لِأَنَّهَا تَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ فَيَتَعَذَّرُ صِيَانَةُ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي عَنْهَا، وَكَذَا الْمُخَالَطَةُ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَذْرِقَانِ فِي الْهَوَاءِ فَكَانَتْ الصِّيَانَةُ مُمْكِنَةً، وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ نَجِسٌ؛ لِاسْتِحَالَتِهِ إلَى خُبْثٍ وَنَتْنِ رَائِحَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّوْبِ الَّذِي أَصَابَهُ بَوْلُهَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ اُبْتُلِيتُ بِهِ لَغَسَلْتُهُ فَقِيلَ لَهُ: مَنْ لَمْ يَغْسِلْهُ وَصَلَّى فِيهِ؟ فَقَالَ: لَا آمُرُهُ بِالْإِعَادَةِ.

وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهَا لَيْسَ بِنَجِسٍ؛ لِتَعَذُّرِ صِيَانَةِ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ فِي الْهَوَاءِ وَهِيَ فَأْرَةٌ طَيَّارَةُ فَلِهَذَا تَبُولُ.

(وَمِنْهَا) الْمَيْتَةُ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْمَيْتَاتِ أَنَّهَا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا - مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ وَالثَّانِي مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ.
(أَمَّا) الَّذِي لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ: فَالذُّبَابُ وَالْعَقْرَبُ وَالزُّنْبُورُ وَالسَّرَطَانُ وَنَحْوُهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَجِسٌ، إلَّا الذُّبَابَ وَالزُّنْبُورَ فَلَهُ فِيهِمَا قَوْلَانِ، (وَاحْتَجَّ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَالْحُرْمَةُ لَا لِلِاحْتِرَامِ - دَلِيلُ النَّجَاسَةِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَوْتُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ، ثُمَّ اُنْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَفِي الْآخَرِ دَوَاءٌ» وَهُوَ يُقَدِّمُ الدَّاءَ عَلَى الدَّوَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 62
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست