responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 58
الصَّلَاةُ، وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ فَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ تُعْجِزُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَا يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ مَعْنًى، كَمَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ وَلَمْ يَجِدْ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ.
(وَلَنَا) أَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ انْعَقَدَتْ مَمْدُودَةً إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا فَتَنْتَهِي عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَلَوْ أَتَمَّهَا لَأَتَمَّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ تَبْقَ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ.
وَقَوْلُهُ: إنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ لَيْسَتْ بِحَدَثٍ فَلَا تُبْطِلُ الطَّهَارَةَ قُلْنَا: بَلَى، وَعِنْدَنَا لَا تَبْطُلُ بَلْ تَنْتَهِي لِكَوْنِهَا مُؤَقَّتَةً إلَى غَايَةِ الرُّؤْيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَصِيرُ مُحْدِثًا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ عِنْدَنَا، بَلْ بِالْحَدَثِ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَة فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَمْ تُؤَدَّ فَظَهَرَ أَثَرُ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَصَارَ كَخُرُوجِ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ وَذَلِكَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ.

وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَعَادَ إلَى السُّجُودِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ بِالِاثْنَا عَشْرِيَّةَ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُصَلِّي مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَوْ وُجِدَ فِي أَثْنَائِهَا لَا يُفْسِدُهَا إنْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، مِثْلُ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَفْسُدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ فَرْضٌ عَلَى مَا يُذْكَرُ.

وَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُصَلِّي بَلْ هُوَ مَعْنًى سَمَاوِيٌّ لَكِنَّهُ لَوْ اعْتَرَضَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، فَإِذَا وُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ يُفْسِدُهَا؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُفْسِدُهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُفْسِدُهَا، وَذَلِكَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ مَاءً، وَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا انْقَضَى وَقْتُ مَسْحِهِ، وَالْعَارِي يَجِدُ ثَوْبًا، وَالْأُمِّيِّ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ، وَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ يَنْقَطِعُ عَنْهُ السَّيَلَانُ، وَصَاحِبُ التَّرْتِيبِ إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً، وَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَسُقُوطِ الْخُفِّ عَنْ الْمَاسِحِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ وَاسِعًا بِدُونِ فِعْلِهِ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِمُصَلِّي الْفَجْرِ وَالْمُومِئِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْقَارِئِ إذَا اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا، وَالْمُصَلِّي بِثَوْبٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً لِيَغْسِلَهُ فَوُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَقَاضِي الْفَجْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَالْمُصَلِّي إذَا سَقَطَ الْجَبَائِرُ عَنْهُ عَنْ بُرْءٍ.
وَقَضِيَّةُ التَّرْتِيبِ ذِكْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مَوْضِعِهَا وَإِنَّمَا جَمَعْنَاهَا اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَتَيْسِيرًا لِلْحِفْظِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمُصَلِّي مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِانْتِهَاءِ أَرْكَانِهَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» وَالصَّلَاةُ بَعْدَ تَمَامِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسَادَ، وَلِهَذَا لَا تَفْسُدُ بِالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ، وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِفِعْلِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الصَّلَاةَ بِالتَّمَامِ، وَلَا تَمَامَ يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، وَكَذَا إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ وَانْتِهَاءَهُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ مُحَالٌ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَهْقَهَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَهَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ التَّحْرِيمَةِ، وَأَنَّهَا قَائِمَةٌ، فَأَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَيَسْتَدْعِي بَقَاءَ التَّحْرِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الرُّكْنِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِمَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ ضِدُّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهَا، وَضِدُّ الشَّيْءِ كَيْفَ يَكُونُ رُكْنًا لَهُ؟ وَلِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْصُلُ الْخُرُوجُ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَالْكَلَامِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ فَرْضًا؟ .
وَالْوَجْهُ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عِدَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ لَيْسَ لِوُجُودِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ، بَلْ بِوُجُودِهَا يَظْهَرُ أَنَّهَا كَانَتْ فَاسِدَةً، (وَبَيَانُ) ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الَّتِي لَمْ تُؤَدَّ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُزِيلُهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَيْسَ بِطَهُورٍ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ الْحَدَثِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ لِلْحَرَجِ كَيْ لَا تَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ فَيُخْرَجَ فِي قَضَائِهَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ السَّابِقِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَلَا حَرَجَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَمْ تُؤَدَّ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ غَيْرُ مُؤَدَّاةٍ فَإِنَّ تَحْرِيمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الرُّكْنُ الْأَخِيرُ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ طَالَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الرُّكْنِ كَالْقِرَاءَةِ إذَا طَالَتْ فَظَهَرَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست